الخميس، 17 يوليو 2014

البـــــآرت (الم قد طواه النسيان IIII !) الثلاثون

* هذي اقرب صورة حصلتها لتخيلي عن شكل آيـآمي وهي صغيرة














انتهى الامر وبات من النسيان ... استويت على الجحيم وبات لي مكان

واخيرا من وسط المجهول اتيت ... واخيراً بيتاً لي اريد

لا مكان يقبل بهجين قد ذاع صيته في كل مكان ..

صحيفة دموية وتاريخاً ليس فيه بهتان

لا يرى امامه الا جثثاً مصطفة ودماء قد اضرجت على الطريق

رائحة الموت المتشبعة بالاجواء قد فاح عبيرها وسط السكون

من بين ضباب العتمة وقبل حلول الصباح

اقبض على ضحيتي وحيداً بلا ارتياح

اسمع صراخاً والماً وغيضاً في كل مكان

لا فائدة من القتال فأنا لست حتى بأنسان !

حاولت ان اترك شياطيني واصل الى السماء

الا انهم اوقفوني لانهم عرفوا كيف الطيران

سحبت مجدداً الى مياه العتمة في كل مكان

كم كرهت ان اقتضي وينتهي بي المآل في نسيان

وحيدة انا وسط اللامكان والزمان

في دوامة الزمن انا حبيسة بلا اي انصياع

نزفت حتى ادميت جدران التاريخ بثبات

الا ان عيوني قد تحجرت وبت في سبات

ومن بين شقوق الجدران استطيع سماع الحياة

انه يوم ممطر وكل الشياطين في اختباء

والعواصف الرعدية قد صنعت ازعاجاً كبيراً في الكيان

علّم كلماتي ساتان فأنا للجحيم قيام

انا محاطة بهذا الهواء المشبع بالغاز

لا يحتاج الا شعله كي تبدأ النيران فيه بالاشتعال

هل يمكنك ان تسمعني اغني وسط هذه النيران ؟

تهويدة اخيرة لا مكان لها في الذكريات ؟

لا تدعني اصرخ فأنا لا اريد الانقاذ

دعني احترق فقط وسط هذه اللفحات من الاموات

انا لا اصدق هذه الترهات

النبوءة للنهاية عليها الاقدام

اليوم هو يوم المذبحة

هم سيصنعون لي ضريحاً وسط المشرحة

فأنا ميت والحي هو الميت الذي قتلت

فلا داعي لان اكون طليقاً ما دمت للسجون صديقاً

ولا داعي للرحمة لوحش لم يعرف من الحنان شيئاً

فقط دعني هنا اموت وحيداً

فيوماً ما سوف تموت انت وتبقى معي طليقاً










خفت اللهيب وانقشع الضباب الذي ستر المنطقة بأسرها حيث انتفض وحيداً بين طيات ركام الذكريات وانبعثت من داخل رماده اقوال تحكى وأسرار تدفن الى حين اوان كشفها


وبهذا انتهت فترة النيران و بدأت فترة الثلوج ، حيث بدأت تسقط كحبات لؤلؤ براقة وهي تكون تلك السجادة البيضاء التي زينت بسواد رماد النيران التي اعتادت ان تستعر

ومن بينها برز ذلك الجسد المتهاوي على حافة الهاوية بجسد لا يخلو من الجراح والكدمات

بعينين باهتتان باردتان مرعبتان ... تحدقان في الفراغ وهما تقصدان المجهول

بأقدام قد احمرت من شدة البرودة وهي ترتجف بشدة حتى ان العظام انتفضت من اماكنها بفزع

وبين ركام القصر المحترق قادتها خطواتها الى حيث بقايا والدتها ! التي ليست إلا سواراً ذهبياً واحداً يحمل تلك الجوهرة الارجوانية في وسطه

انحنت اليه بجسد فارغ من الداخل ، بروح قد ازهقت من رغبتها الشديدة بالموت المحتم

مدت اصابعها المتورمة اليه وسحبه لترتديه على معصمها وهي تنظر اليه بنظرات لم تخلو من الغموض ولم تخلو من الحزن كذلك

مأساة قد افزعت كيانها وهزت اوصالها حتى شعرت به ينتشل روحها من جسدها ويلقى به وسط اللامكان !

لا تزال غير واعية لما حدث ، بعقل خاوي وذاكرة قد قامت بحجبها حتى لا تتذكر لا تزال تسير حافية القدمين ، مرتجفة الاوصال لتداعب الرياح المتجمدة خصلات شعرها الذهبية

الا ان الدموع ابت ان لا تفيض من عينيها الزرقاوات وهي تحدق بهذه الاطلال التي لن تعود اليها ابداً ! لذا اكملت السير، الا ان قدماها تمتلكان رأياً آخر في الموضوع فهما ابتا التحرك من هذا المكان

وسبب ذلك سقوطها ارضاً ليخترق ذلك العمود الخشبي معدتنا بلا رحمة ويترك فيها ندباً وألما جديدين مرة اخرى

صرخت بصعوبة من الالم وهي تحاول ان تنتشل ذلك العمود الذي لم يرحم حالها الميئوس منه تماماً فنزعته بسرعة كبيرة صرخت على اثرها بألم وعذاب شديدين حتى وقفت مرة اخرى وهي تخطو اول خطواتها على السجادة الثلجية المتراكمة على الارض والتي فرشتها بطريقة تسحر العينين وتسر الناظرين

الا انها لم تسعد هذه الطفلة التي حلت بها المأسآة بالامس ! اخذت الافكار تزدحم في رأسها مجدداً ، كيف ماتت امها وكيف انقذها شقيقها وكيف القت على مسامعها افظع الكلام قبل ان تموت ...

توقفت في تلك اللحظة ! فتلك لم تلك امها بل شيء شرير وملعون قد استحوذ على جسدها وجعلها رهناً لإشارته المنبوذة !

توقفت للحظة وهي تفكر بآخر الاحداث ! فـ كازو لم يقتل مارينا ! بل هي التي قتلتها !

فما فعله كازو كان تأخير اثر الروح السوداء على مارينا ونسي ان الحرق هو الطريقة الوحيدة لقتلها ! أي بالاصح لو لم تقم آيـآمي بحرق المنزل لكانت مارينا حية مرة اخرى حتى وان انتزع قلبها

لذا فلا داعي للوم كازو فالقاتل هو هذه الطفلة الواقفة بجرح نازف لن يشفى ابداً ولو بعد سنوات طوال !

ضحكت بهستيرية مليئة بالاحتقار لنفسها ومليئة بالحزن والالم والمعاناة التي لا تنتهي ابداً ، اكملت سيرها وعيناها محدقتان نحو المجهول فهي لا تعرف حتى وجهتها الى الان !

توغلت في اعماق الغابة التي تخفي الرعب بين تشققات ارضها وحفيف اشجارها المرعب وسط الظلال التي تنعكس على كل مكان خالقة وحوشاً سوداء ذات براثن حادة وهي تستعد للانقضاض على افضل فريسة لهذا اليوم

وبين تلك الاشجار اختفت تلك الفسحة الضخمة من الثلوج والتي كانت كبيرة لدرجة ان هذه الطفلة لم تستطع ان ترى بداية الغابة من جديد

لذا سارت وسارت فيها حتى تورمت قدماها من البرد وتجمدت عروقها ولم يعد قلبها يضخ الدم فيها ، اخذت تتنفس بصعوبة بالغة وسرعة غير طبيعية على الاطلاق وهي تشاهد تلك الذئاب الرمادية وهي تنظر اليها بلهفة وجوع شديدين !

سقطت على ركبتيها من التعب والارهاق وهي تسمع صوت اقدام الذئاب المهرولة اليها للانقضاض عليها وتناول لحمها الطازج

اغمضت عينيها باستسلام لوضعها الحالي الا انها سمعت صوت صراخ و ازهاق ارواح لما حولها !

ففتحت عينيها ببطء وهي ترى من برز بين حشود الذئاب الرمادية ، كان ذئباً ابيض ذو عيون حمراء لامعة وقد كان يقتل كل الذئاب التي احاطت به وبـ آيـآمي

تعجبت الاخيرة من هذا الفعل الغريب لمن ينتمون لنفس الفصيلة ، فلما قد يدافع هذا الذئب عنها ؟ ومالذي دفعه الى هذا ؟

ارتوت الثلوج البيضاء من الدم الاحمر حتى طبعت بلونه سجادة ضخمة ذات لون قرمزي جذاب حيث برز من بينه الذئب الابيض الكبير وهو ينظر بغموض الى تلك الطفلة

اخذ يقترب منها بخطوات هادئة وخالية من النية الخبيثة وعيونه الحمراء القرمزية قد اسرتها تماماً وهي تشعر بنوع من الامان الحاد معه ، حتى اتكئ على اقدامه الخلفية في جلوسه وهو يحدق بملامحها

اخذ يلعق الجراح الموجودة على وجهها ويديها واذا بها تختفي تماماً ! تعجبت من هذا فاتسعت حدقتا عينيها وانبلجت ابواب قلبها من هذا الكائن اللطيف

ابتسمت له بهدوء وهي تقول : من تكون ايها الجميل ؟

كان يحدق في جرح معدتها البليغ ، قطب وجهه وزمّ على فمه بقوة ، فهو لا يستطيع ان يعالج هذا الجرح النازف على ما يبدو ! رفع رأسه بعد ان سمع سؤالها الذي خرج بصوت مرهق ومثقل بالهموم رغم صغر سنه

لمعت عيناه للحظة بنوع من الثقة وهو ينظر في اعماق عينيها اللتين تعكسان لون السماء في وجدانهما

ظهر شبح ابتسامة على ملامحه فعاد للوقوف مجدداً واستدار سائراً في طريقه الا انه التفت لمرة اخيرة وهو ينظر الى ملامحها الهادئة والجميلة

فانطلق مسرعاً بعدها حتى امتزج مع بياض الثلج فلم تعد تميزه على الاطلاق ، تعجبت منه الا انه التعجب ذهب عندما شعرت بذلك الالم الحاد من جرحها هذا ! ففي العادة جراها تلتئم بسرعة كبيرة ولكنها الان لا تلتئم على الاطلاق !

وقفت بقدمين مرتجفتين وهي تنظر ناحية الافق بعين واحدة مفتوحة والاخرى اغمضتها من الالم الذي شعرت به

اخذت نفساً عميقاً ليتلاشى الالم تدريجياً ، عاودت السير مجدداً بخطى ثقيلة ومرهقة من الثلج الذي جعل عملية السير اكثر اتعاباً من العادة

بدأت غشاوة بالظهور على عينيها وبدأ كل شيء يهتز حولها من الالم فعقلها قد تجمد تماماً ولم تعد قادرة على التفكير في أي شيء ! توقفت وهي ترى بأن معالم المكان قد اعتمت في نظرها ودمائها تسيل بشدة من جرحها البليغ ذلك

اغمضت عينيها مستسلمة للارهاق الشديد وبدأ جسدها يتهاوى بسرعة في الهواء حتى اطبق على الثلج واقعاً ، وسط الثليج وقعت الفتاة ، وسط المجهول القي بها ببهتان ، لا نجدة ولا عون ولا يد تسعفها النجاة

لو مر طير من السماء عليها ونظر اليها لرأى ملاكاً ساقطاً قد رسم بالدم اجنحته المقطوعة ! حيث نزف جرحها بشدة مكوناً على الجليد رسماً يشبه الاجنحة المتصلة بهذه الطفلة الصغيرة

ولكن ...

من بين الظلال ومن بين برودة الظلام ، ابتسم ذلك الكيان بخبث وشر وهو يراقب المنظر البديع الذي حل بهذه الطفلة

حيث ان تهكمه المعتاد وغروره لم يمكناه الا ان يضحك عليها بسخرية واستحقار

الا ان صوته الجوهري راح يتردد صداه في الافق وهو يردد بكبرياء اباطرة مستديم : لا تقلقي يا صغيرة ! سوف اعالج هذه الجراح كلها وسوف تكونين مدينة لي مدى الحياة

ثم علت ضحكته الخبيثة ارجاء جسدها كله









في عالم الشياطين ...

كان واقفاً يسير في حلقات مغلقة ... رعب وخوف وقلق من الاحداث القادمة

ندم وكره والم يعتصر قلبه ، كلما تذكر قتله لمارينا ورؤيته لملامح آيـآمي المرعوبة ! زاد رعبه وانقبض قلبه اكثر واكثر

فها هو الان واقف امام باب غرفة والده ... ويداه ملطختان بدماء مارينا وهو يحمل هذا العار الثقيل على كتفه المثقل مسبقاً بالهموم

استند على الجدار المقابل للغرفة وهو يفكر بردة فعل ساتان عندما يسمع الخبر ! سيكون لطفاً منه ان يقتله مباشرة ! الا ان هذا مستبعد فهو سيقوم بتعذيبه بشكل مرعب لا محال

ضحك باستهزاء وهو يحاول ان يجمع اشتات شجاعته التي تفتت بفعل الخوف من والده الذي لا يرحم ان تعلق الامر بأحد الاشياء المهمة لديه

تنهد بعمق وهو يسحب الاكسجين الى داخل رئتيه حتى توسعتا على آخر اتساع ممكن وزفر هذا الهواء بهدوء ، هذه اول مرة يستمتع بالهواء ويشعر حقاً بروعة ان يتنفس ويكون الشخص حياً !

فربما تكون هذه المرة الاخيرة التي يتنفس فيها ، لما لا يستمتع بها ؟

وقف بحزم وهو يضع قناع الجلمود الصلب على وجهه ، اتجه نحو الباب بخطوات متثاقلة وهو يتمنى من اعماقه ان ينتهي الامر على خير

وقف محايداً الباب بأنفاس تكاد تسابق الريح في سرعتها ، انتظر حتى عاد تنفسه طبيعياً ومن ثم طرق الباب ثلاث طرقات متتالية

اتاه الرد بعد مدة بصوت هادئ : تفضل كازو

ابتلع ريقه بصعوبة بالغة وامسك بمقبض الباب ليديره بهدوء ويدفع الباب بأريحية ثم تقدم خمس خطوات ليدخل ويغلق الباب خلفه

نظر الى ساتان الواقف بهدوء وهو يقوم برسم لوحة ضخمة للمعركة التي حدثت منذ فترة ، فقد استطاع ان ينهينا بسهولة بعد فترة وجيزة من بدايتها وها هو الان سعيد بعض الشيء وهو يرسم هذه اللوحة ، الا انه موضوع زوجته وابنته لا يزال يؤرق لياليه الطويلة والباردة

ترك الفرشاة والتفت الى كازو المتوتر بشدة ، ابتسم له بهدوء وهو يقول : ما بك كازو ؟ انت تبدو مشدود الاعصاب حقاً ، هل قتلت شياطيناً تحت التدريب مجدداً ؟

انزل كازو عينيه الى الارض وهو يحاول ان يجد بداية للحديث الصعب هذا ، قلبه يتسارع وهو يخشى فقدانه في أي جزء من الثانية

قال بهدوء : كلا يا والدي ! ليس هذا هو الموضوع !

تعجب ساتان وقطب حاجبيه ليقول بهدوء : اذا مالامر ؟

ابتلع كازو ريقه بصعوبة وهو يخرج الكلمات بأقصى شكل ممكن من الطبيعية : قل لي يا والدي مالذي يحدث عندما تسيطر روح سوداء على شخص ما ؟

نظر اليه بانزعاج وزجره بهدوء وهو يقول : هذه اشياء بديهية كازو ! لما تسأل عنها ؟

اشاح كازو بوجهه قليلاً وسط تعجب ساتان الشديد ليكمل الاخير قائلاً : حسناً اسمع ، الروح السوداء تلتصق بروح الكائن الذي تدخل فيه ، فتحولها الى روح عفنة مع مرور الوقت حيث تقوم بقلب الشخصية تماماً فتحول محاسنها مساوئ وتعذب الشخص المستحوذ عليه في الليل بطرق تعذيب لا تخطر على بالك

نظر كازو الى والده بعيون راجفة وهو يكمل استفساره : وكيف يمكن اخراجها من جسد الشخص المستحوذ عليه ؟

اشاح ساتان بوجهه قليلاً وهو يقول بهدوء ممزوج بغموض : لا يوجد طريقة غير قتل حامل الروح وهو الجسد المستحوذ عليه ، حتى انا لم اجد طريقة كي اخرج الروح من الجسد دون ان اقتل صاحبه ، فهي تلتصق فيه بطريقة اقوى من الغراء وتجعل نفسها مدموجة مع روح الشخص فأي شيء يحدث لها يحدث للمستحوذ عليه كذلك

اخذت يد كازو بالارتجاف بحدة وهو يسمع كلام والده ، فهو الان على آخر عتبة من الدخول الى الموضوع الاصلي ، ليس مستعداً حتى يدخل المزيد من الالم لحياة والده الان ، ولكن لا خيار غير ان يقول له الحقيقة المرة , ويعود امر احتمالها لساتان نفسه !

نفث لفحة هواء حار في الجو زادت من التوتر بينه وبين والده ، قطب ساتان حاجبيه بقوة وهو ينظر الى كازو بشك

حدثه بصوت حازم ومزمجر قليلاً : كازو ! مالامر ؟ لما تسأل عن اشياء تعرفها من قبل ؟

نظر اليه كازو بحزم ، فشعر ساتان بانقباض في قلبه وبدأت الهواجس تستولي عليه

قال كازو بهدوء متوتر : اذا اخبرني يا ابي .. مالذي ستفعله ان استولت هذه الروح على شخص مهم بالنسبة لك ؟

زاد تعجب ساتان من هذا السؤال الغريب الا ان الوساوس لم ترحمه مطلقاً وجعلت قلبه يفترض اجابات لشدة غموض كازو في هذه اللحظات

انزل ساتان رأسه للارض وهو يقول بغصة والم : سأقتله لا محال ! انها الطريقة الوحيدة لتحريره من العذاب الذي اطبق عليه فيه

ثم اعاد النظر الى كازو الصامت وسط سكون جدران هذه الغرفة الضخمة ، لا يزال غير قادر على ان يتفوه بشيء لوالده عن حقيقة الامر ، فهو يشعر بالعار والخجل مما فعله ! وليس مستعداً لتحمل نظرات والده المستحقرة له بعد حين

الا ... انه لا يستطيع ان يخفي الحقيقة بعد الان ! كل هذه الاسرار ، كل هذا الظلام ، لقد اكتفى بالعذاب لفترة طويلة مما كبته في داخل قلبه ! عليه ان يستجمع شجاعته ! عليه ان يخبره ! والا فأنه لن يثق به بعد اليوم ولن ينظر اليه حتى !

رفع رأسه مجدداً وهو يلقي بجم نظره في ارجاء الغرفة التي تمتاز بألوانها الجميلة ، اتسعت حدقتا عين ساتان على اقصى انبلاج لهما وهو يصرخ في وجه كازو : اخبرني ! مالذي حدث ؟ لما تسأل هذه الاسئلة ؟

انتصب في مكانه كالصنم تماماً ! فقد دخل الرعب الى نفسه جراء صوت والده الحاد هذا ، ارتجفت شفتاه وهو يحاول ان يخرج تلك الكلمات الصعبة والثقيلة من على لسانه الذي يأبى الحديث بأي شيء مما حدث سابقاً

اخرج تلك الكلمات بصعوبة قصوى وهو يحاول ان يمنع جسده من الارتجاف : احدى تلك الارواح قـ .... قد استـ .... استولت على جسـ .... جسد مارينـ... مارينا وقـ ... قد قتلـ .. قتلتها بيدي هاتين !

الالم ... الضياع ... عدم القدرة على التعبير والحاجة الملحة للصراخ

الالم الذي يعتصر قلبه في هذه اللحظة والرعب الذي طغى على كل وجدانه

شعر برئتيه تضيقان وان العالم كله صبغ بالرمادي من حوله

هذا الكابوس ! وحش مسعور لم يلاحقه حتى في اكثر اللحظات رعباً واما الان ...

قدماه لا تحملانه على الوقوف ! وغشاوة سوداء قد اعمت عينيه

يشعر بأن العالم من حوله ينهار بشكل سريع ومرعب وكأن ...

وكأن كل ما بناه ... عاشه .... عرفه .... مجرد وهم لا حقيقة

وكيف لا .. وقد فقد الان اهم ما ملكه يوماً ؟ وكيف لا وبيد من ؟ بيد ابنه من دمه ولحمه ؟

كيف تستحق هذه الحياة ان تعيش فيها بعد ان تفقد كل شيء ؟! وبعد ان يتحول كل ما امامك الى مجرد وهم يسبل بواقعه المؤلم على قلبك الضعيف ؟

هل يمكن لركبتيه ان تحملانه الان ؟ هل يمكن ان يزال هذا الالم من عواطفه ؟ هل يمكن ان يغفر لنفسه هذا الاستهتار الذي سبب هذه المأساة ؟

لا يشعر بشيء .... كل ما فيه الان هو فقط ... الفراغ وحده

جسده وروحه وعقله وكيانه كلهم اختفوا .... في طي النسيان

الجو بارد من حوله وهو يسمع همسات التأنيب في قلبه ، قلبه لا نبض فيه وعالمه لا نور فيه وكأنما جاء احد واقتلع الحياة بعيداً عنه

وكأنه لم يعد ...... موجوداً

فكيف يمكن له ان يجد نعيماً في هذا الجحيم الذي القي فيه دون سابق انذار ؟

اختفى كل شيء .... في لمحة بصر !

رفع رأسه وعلامات الصدمة والخوف لا تزال على ملامحه ليسقط بصره على كازو الذي يرتجف ووجه مملوء بنظرات العار والخجل من والده !

اتسعت حدقتا عينيه على اقصى انبلاج لهما وهو يستشعر خجل ابنه من فعلته ! شد على قبضته بقوة وزمّ على شفاهه ليغطي شعره عينه اليمنى وتتحول اليسرى الى الاحمر البراق

اخذ يرتجف من الغضب والغرفة بأكملها اهتزت بشكل جنوني ومرعب ، كان كازو منزلاً رأسه عندما شعر بما يجري حوله ! عرف بأن نهايته قادمة ومحدقة امامه تماماً !

خطى ساتان اول خطة ليغمض كازو عينيه بقوة وهو ينتظر الموت المحتم الان ! اسرع ساتان بالسير متجهاً نحو كازو وعلامات الغضب على وجهه وهو على وشك ان يقتله على ما يبدو

و ....

امسك بكازو بقوة وضمه بشدة وهو يدفن رأسه في حضنه وقد تجمعت الدموع في عينيه الحمراوات وسط دهشة كازو وصدمته مما فعله والده للتو !

قال ساتان بصوت باكِ ومهزوز ضعيف وذو غصة : لابد وان هذا كان صعباً عليك كما هو علي الان !

زاد من قوة عناقه لكازو ليقول بعدها بامتنان مصحوب بالالم : لقد انقذتها من عذابها ! شكراً لك كازو !

تجمعت الدموع في عيني كازو من العار الذي يشعر به ، انه لا يستحق هذا العطف من والده ! او هذا ما يعتقده

ابتعد ساتان عنه قليلاً ليصفر وجهه من الخوف الذي دب فيه وهو يقول : و آيـآمي ! مالذي حل بأبنتي ؟

رفع كازو رأسه بملامح هادئة وهو يقول : تلقت التعذيب منذ اليوم الذي فقدناهما فيه من قبل والدتها ! ولكني وجدتها وهي الان في القصر الذي تسكنان فيه !

انعصر قلب ساتان كثيراً اثر ما سمعه ووضع يده على وجه بسبب الدوار الذي شعر به بسبب الصدمات المتوالية ليقول لكازو بصيغة امر : اخرج من هنا كازو ! اريد ان ارتاح

انحنى كازو واسرع متجهاً نحو الباب الى حيث الخلاص من عذاب والده المحتوم !

خرج واذا بالحياة تدب فيه مجدداً ، شعر بالحرية ، شعر بنوع من الراحة لانه لا يزال يتنفس !

لا يعلم كيف حدث هذا ولكنه حدث وهذا هو المهم في الامر

ولكن .... يبقى قد حصل على العذاب الابدي

عذاب اسوء من عذاب الجسد وكل شيء ! عذاب الروح وعذاب تأنيب الضمير ! عذاب الشعور بالذنب على الكاهلين

شعور ان تمنح الغفران لما اقترفته يداك من فظائع ! وهل يساويه أي عذاب ؟

ضرب الجدار بقوة حتى تصدع ، انهمرت دموعه وهو يصرخ بألم شديد فقد منحه والده عفوه على ما فعل ! وهذا هو اسوء عذاب ! فهو سيعيش الابدية حاملاً ذنب قتله لاهم ما لوالده في كل حياته !

: تباً ! تباً ! لما عفوت عني ؟ لما ؟ لما سامحتني ؟ لما لم تعذبني ؟ لما تعطيني عذاباً ابدياً من تأنيب الضمير وثقل الكاهلين بالذنوب ؟ لمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاذا ؟

مسح دموعه ! فهذا ليس الوقت المناسب لهذا

و اتجه بسرعة الى عالم البشر مجدداً كي يجلب آيـآمي لعلها تخفف من شدة الالم الواقع على ساتان














في عالم البشر

فتحت عينيها بأرهاق بعد فترة من الزمن على صوت قطرات الماء المتساقطة بثبات ونظام

عيناها كانتا خاليتين من أي تعبير او حياة ، كانت تغرق في بحر اسود من العذاب

لم تفقه مالذي تفعله هنا ! او مالذي جلبها الى هذا المنزل المهترئ هذا

اعتدلت في جلوسها وهي تنظر الى نفسها واذا بجراحها كلها قد شفيت تماماً ! تعجبت من هذا الامر الغريب ! اخذت تنظر في الارجاء واذا بالمنزل متوسط الحجم فيه سرير واحد ومدفأة ومكتبه كتب كبيرة كذلك !

وقفت كي تسير وقد كادت ان تفقد توازنها الا انها امسكت بطرف السرير قبل ان تسقط ، تذكرت ذلك الذئب الابيض فأرادت ان تعرف حقاً من يكون هو ! الا انها لا تستطيع فهي لا تعرف اين هي واين يقع هذا المكان !

جلست مرة اخرى على السرير بهدوء وهي تحاول ان تستعيد توازنها وتنفسها بشكل طبيعي

دوت في اذنها صوت ضحكت هستيري ساخر لتجد نفسها في مكان غريب ! مظلم وبارد ورطب كذلك

وامامها تلك القضبان الحديدية الضخمة ومن خلفها لمعت عيون حمراء من بين جنبات الظلام ! شعرت بالقليل من الخوف منه واذا به يتكلم بصوته الجوهري العميق : واخيراً اتيتي الى هنا يا صغيرة !

نظرت اليه بتعجب وغير ادراك لتقول مستفهمة : من انت ؟

ظهر من خلف الظلال ، لتبان عظمته وكبر حجمه ، نظرت اليه وعلامة استفهام على رأسها ، فهي لم تعرف ما هذا الكائن القابع امامها !

ظهر عرق غضب على وجه التنين ليقول بعدها بغضب : انا تنين ! انا تنين ايتها الغبية ، الم تسمعي بالتنانين من قبل ؟

ابتسمت وهي تقول : كلا لم اسمع !

شعر بالغضب في نفسه لكنه سرعان ما تلاشى عندما تذكر انها لم تتعلم كما ينبغي ! تنهد وجلس مكانه وهو ينظر اليها بحقد !

في قرارة نفسه هو ينوي ان يقتلها حتى يخرج وينهي حجزه الطويل هنا !

لذا ابتسم بشر مطلق وقال بصوت خبيث : ايها الطفلة ! تعالي الى الداخل

كانت ملامحها هادئة سرعان ما اصبحت جادة وذات اعين حادة لتقول بجدية : انت تنوي شراً علي اليس كذلك ؟

اتسعت عيناه بصدمة ! فكيف استطاعت ان تعرف هذا ؟ نظر اليها بغضب وقال : كيف عرفتي ؟

ابتسمت بغموض وقالت : لا شأن لك بهذا

ثم اخذت تنظر الى عينيه لبعض الوقت حتى ظهر الالم على وجهها ، فقال لها بانزعاج : ماذا ؟

اخذت تسير حتى دخلت من بين القضبان واتجهت ناحيته وسط ذهوله من هذا التصرف الغير عقلاني منها ! فهي قد اتت للموت بقدميها !

اقتربت منه ووضعت يدها على رأسه ووضعت رأسها عليه كذلك لفترة من الزمن ! فكر هذا التنين بالكيفية التي اتت بها هذه الطفلة بالشجاعة اللازمة حتى تفعل هذا ! فأي شخص كان ليصاب بالرعب من رؤية تنين امامه

ابتعدت عنه لتسقط دموع من عينها اليسرى لحقتها بعدها عينها اليمنى بالبكاء ، شعر بالانزعاج لذا قال بعصبية : لما تبكين ايتها الصغيرة الخرقاء ؟

نظرت اليه بعيونها التي تلمع بحزن وقالت بشهقة : انت مثلي ! انت وحيد ! ، لا احد تقبلك لا احد اعترف بك ، ! لطالما بقيت وحدك في الظلام ، منفياً ومحتقراً ومستصغراً ! لا احد اعطاك ذرة من الاهتمام ! حتى اصدقائك تخلو عنك

اتسعت حدقتا عينيه وتراجع بسرعة الى الخلف وهو يصرخ : ايتها اللعينة ! كيف عرفتي هذا ؟

ابتسمت بألم وهي تنظر في الارجاء وتقول : استطيع ان اشعر بكل حياة حولي ! استطيع ان اعرف مشاعرهم وحياتهم وحتى متى سيموتون ! كل شيء استطيع ان اعرفه واشعر به من حولي مهما كان

ضاقت عيناه قليلاً ، تذكر بأنها ابنة ساتان وهذا يعني ان لها قدرات مذهلة مختلفة عن ساتان مثلما تشابهه ، فعلى ما يبدو فهي لديها قدرة الشعور بالحياة ، أي ان تعرف حال أي كائن حي حولها وتعرف ما يفكر فيه وكيف يشعر !

تنهد بقوة وعاد لاستلقائه وهو يتجاهلها ، اخذ يسترق النظر اليها من الحين الى الاخر ، حتى ابتسمت هي بهدوء وجلست بجانبه وهي تقول : ما اسمك ؟

قطب حاجبيه وعيناه مغلقتان ليقول بضيق : ليس لدي اسم

شعرت بالحزن لاجله فقالت : اذا كم عمرك ؟

ابتسم بغرور وهو يقول : 5000 سنة !

شهقت بقوة من الصدمة ليقول بانزعاج : ماذا ؟

قالت له بغير تصديق : عشت 5000 سنة بدون اسم ؟ كيف ذلك ؟

اخذ يفكر قليلاً ثم قال بهدوء : كانوا ينادونني التنين العظيم او الوسيم او المدهش او الفكاهي المميز !

شعرت بنوع الاستهزاء لذا قالت بملل وسخرية : ما هذه الاسماء الغبية ؟

صرخ بعصبية : لا تحطمي مواهبي الفنية !

ضحكت بخفة حتى توردت وجنتاها ، شعر هو بنوع من السعادة لقربها ، لا يعلم لماذا الا انه استحسن رفقتها كثيراً وفكر ربما يعرف القليل من السعادة معها رغم كل شيء !

ابتسمت له ابتسامة بديعة لتقول بصوت حنون : انت من عالجني اليس كذلك ؟

ابتسم بغرور وقال : بالطبع فأنا – ساما اقدر على أي شيء ، لستُ مثلك ايتها الحشرة !

قالت بنفس ابتسامتها السابقة : شكراً لك

توقف عن السخرية منها وهو ينظر الى تلك الابتسامة العذبة فابتسم هو ذلك بهدوء وعاد للاستلقاء وقال مدعياً الانزعاج : اخرجي من هنا انتِ مزعجة !

ثم عادت الى الواقع وسط تعجبها من تصرفه ذاك ، الا انها شعرت ببعض السعادة لانها ليست لوحدها هنا

وقفت بسرعة واتجهت الى ناحية تلك الكتب المصفوفة على المكتبة بانتظام ، حل عليها الدهر وشرب وقد اتربت تماماً ، انها بحاجة للتنظيف ، لم تهتم لهذا بل سحبت احد الكتب وامسكت به وقامت بفتحه واخذت تتصفحه وهي تحاول ان تقرأ الكلام المكتوب

ارتسمت ملامح مضحكة على وجهها لتقول : ما هذه الخربشات ؟

حاولت ان تقرأ بدون فائدة ، حتى سمعت صوت ريو وقد تفجر من الضحك عليها وهو يقول : الم تتعلمي حتى القراءة ايتهـا .....

صمت عندما تذكر بأن والدتها كانت مشغولة بتعذيبها ولم تقم بتعليمها شيئاً على الاطلاق ! تنهد بقوة وقال لها بهدوء : آيـآمي ! سوف اعلمك كيف تقرئين وتكتبين

لمعت عيناها بفرح وقالت بسعادة وحماسة كبيرين : حقاً ؟

ابتسم وقال : اجل لما لا ، فأنا اشعر بالملل على أي حال

لذا بدأ التنين العظيم هذا بتعليم آيـآمي القراءة و الكتابة وسط المجهول وحيث لا يمكن لاحد ان يؤذيها

انتهى من تعليهما بسرعة ! فهي مدهشة تعلمت كل شيء بسرعة ولجانبها الشيطاني فضل في هذا كذلك

بعد عدة آيـآم كان نائماً كعادته وهو يتثاءب بانزعاج من الملل الذي وضع فيه غصباً عنه ! حيث افسد عليه راحته صوت آيـآمي المرح الذي كان يردد : ايها التنين ! ايها التنين !

تجاهلها وعاد الى النوم ! قامت هي باخفاء تلك القضبان الحديدة وغيرت المكان الذي هو فيه من مكان مظلم الى صورة مكان طبيعي ذو بهجة وحياة

فتح عينيه بانزعاج ليصرخ بعصبية : آآآخ عيناي سوف اصبح اعمى ! ايتها الغبية هل تريدين تدميري ؟ لما غيرتي ذلك المنظر المملوء بالحياة الى هذا المنظر الميت ؟ انا لا استطيع ان اتحمل الالوان الساطعة فأنا مخلوق ليلي ايتها البلهاء ! الم اعلمك هذا ؟

نفخت خدها بطفولية لتقول : اصمت ايها الاحمق

شعر بالغضب الشديد وكاد يهجم عليها الا انه قد عدل عن رأيه لتقول هي بابتسامة : ني ني اسمعني ريو !

نظر اليها بتعجب كبير ليقول : ومن هو ريو هذا ؟

ابتسمت لتقول : هذا ما كنت اريد ان اخبرك به ! هذا هو اسمك

اتسعت حدقتا عينيه ليقول بلا تصديق : اسمي ؟

هزت رأسها بالايجاب لتقول : اجل لهذا اردت ان اتعلم كيف اقرأ ! من غير الجيد ان تبقى بلا اسم ! لذا بحثت كثيراً في تلك الكتب حتى وجدت الاسم المناسب لك ! ريو

انحنى الى مستواها وهو يبتسم ابتسامة عذبة ويقول بهدوء : ريو اذا ؟ انه اسم رائع

ثم ضحك بهستيرية وقال : انا ريو – ساما اشكرك ايتها العامية الخرقاء ! انا مدين لك بواحدة يا فتاة ! عليكِ ان تكوني شاكرة لان مثل هذه المعجزات حدثت لك

ابتسمت وهي تقول : حسنا حسناً

صرخ عليها بعصبية : هل انتِ حمقاء ؟

تحولت عيناها الى شكل نجوم واحمر وجهها وهي تقول بانبهار : ريو – ساما ! انت رائع جداً

صدم قليلاً ، ليضحك بعدها بقوة ويقول : اجل اجل ايتها العبدة الطائعة ! فلتمتدحيني اكثر واكثر ، انا ريو – ساما احب ان امتدح جداً

نظرت اليه بازدراء وقالت : من تظن نفسك ايها الاحمق ؟

تصنم في مكانه للحظات وهو يراها تذهب وهي تقول بسخرية : وداعاً ريو – ساما

وقد شددت في آخر كلمتين ، لتتركه محطم المواهب والفؤاد : اللعنة عليكِ ، حطمتي مواهبي ! انتِ كوالدكِ تماماً

عادت الى الواقع المرير حتى تختفي مجدداً خلف جنبات الظلام الخاصة بهذا المنزل ، كلما مر الوقت تشعر بنوع مرعب من الهواجس تسيطر عليها ! لعلها مجرد افكار سوداء بسبب الحالة التي وضعت فيها او لعلها مجرد كوابيس حية تلاحقها اينما ذهبت دون ان تترك لها مكاناً لتختبئ فيه

انغلقت افكارها السوداء بدوامة الالم التي بدأت تكتسح كل جسدها دفعة واحدة ، صرخت بقوة معلنة عن الالم الذي اجبرها على الصراخ بشهقات مكبوتة ! قلبها ... هذه المرة انه حقاً يؤلمها بشدة ، تلوت من الالم وهي تشد عن ناحية صدرها الايمن وسط صرخات ريو الذي لم تسمع صوت ندائه لها بسبب الالم القاتل ، رأسها وقلبها وكل جسدها اضحى محطماً وكأنما القي عليها جبل كامل فهشم عظامها

شيء ما ... شيء ما يناضل للخروج الا انها تقاومه بكل قوتها ! فهي تشعر به ينمو داخلها منذ فترة طويلة ! وقد اصبح قوياً كفاية حتى يناضل للخروج وإبراز سيطرته على كل شيء ، مظلم ، بارد ، مرعب ، ذو هالة شيطانية بحتة ! لما يسكن بداخلها هي ؟ لما لا يتركها حتى تنتهي معاناتها ؟

بين لهفة ان تشعر اخيراً بالارتياح وبين ارتيابها من نفسها حلقت بين ذرات المحيطة بها انباء غير ساحة تحتم عليها ان تغير مكان معيشتها ، فهناك خطر يتجه نحوها بسرعة خارقة وان لم تفلت منه فأنها بلا شك ... ميتة !





ومن جهة اخرى وصل هو الى القصر واذا به يقف على ركامه مصدوماً ومهزوزاً وغير واعٍ لما حدث هنا ! ترك القصر بحالٍ ممتازة واذا به الان محروق يتناثر مع الرياح ! فزع واخذ يصرخ في كل الارجاء بقلق

: آيـآمي ! ايتها البلهاء اين انتِ ؟ آيـآمي فلتجيبيني في الحال ! آيـــــآمي !!!

الا ان السكون كان الاجابة الوحيدة لندائه المتواصل ، خشي ان تكون قد ماتت في الحريق ! ولكنها ليست بلهاء كي تبقى فيه و النيران مشتعلة ! او ربما لم تستيقظ من الاغماء واحترقت مع القصر ! ولكن السؤال الرئيسي هو : كيف اشتعلت النار ؟

وضع يده على رأسه وهو يفكر بعمق شديد يحاول ان يجد تفسيراً منطقياً لسبب اشتعال النيران في هذا القصر ! الا انه لم يتمكن من عمل هذا ، فجأة خطرت في باله تلك الفكرة وتذكر امراً قد غفل عنه مسبقاً

شعر بالخدر في كل جسده عندما تذكر هذا ، حدقتا عينيه كانتا على اقصى انبلاج لهما وهما تهتزان بغير تصديق لما خطر بباله

فهو قد نسي ان عليه ان يحرق الجثة كي تموت نهائياً وهذا يعني اما انها عادت للحياة وأحرقت المنزل بآيـآمي وهربت ، و اما ان آيـآمي قامت بهذا بدون ان تفقه السبب وقتلت امها

الا انه رجح الخيار الثاني اكثر في قرارة نفسه لانه يشعر ببقايا مارينا وسط تلك الاطلال المحترقة

ضرب الارض برجله بقوة كبيرة حتى كادت عظامه ان تتحطم من قوة ضربه لها وهو يصرخ بأعلى صوت واكثره الماً

: لماذا فعلتيها ايتها الحمقاء ؟! لم ارد ان تتلطخ يداكِ بدماء والدتك ! كان علي انا ان آخذ العمل القذر كله واتحمل اللوم ! كيف يمكن لكِ ان تعيشي ودماء والدتكِ تلطخ يديكِ ايتها البلهاء ؟!

اوقف دموعه من ان تسقط وعدل عن دفن بقايا مارينا للوقت الحالي ! فـ آيجاد آيـآمي اكثر اهمية في الوقت الراهن

اخذ ينظر في الارجاء فقد غطت الثلوج كل الاثار ولن يفلح في اقتفاء اثرها اثر هذا ، فكر في ان يقوم باستشعار بقايا تشاكراها لعله يستطيع ان يشعر بها وسط اختلاطها بتشاكرا والدتها !

جلس على الارض وشبك يديه مع بعضهما ورفع اصبعيه السبابتين وهما مواجهان لبعضهما البعض اخذ نفساً عميقاً وزفره بهدوء شديد حتى بدأت الرؤية تحلك عنده فأغمض عينيه وهو يراقب بتبصره خيوط التشاكرا المتشابكة حول المكان

كلها خيوط ذات لون ازرق فاتح وهي تعود لمارينا ! تعمق اكثر في الرؤية حتى ظهرت تلك الخيوط ذات اللون الزهري المائل للاحمر ، هذا اللون المميز بلا شك انه لها

تتبع المكان الا ان الاثر انقطع في وسط فسحة مجهولة وضخمة ومليئة بجثث الذئاب والدماء المتناثرة على الجليد !

قطب حاجبيه وصرخ بعصبية : تباً ! لما اختفت في هذه البقعة بالذات ؟

وقف غاضباً واخذ يسير في الارجاء بحذر شديد وهو يبحث عن أي خيط يدله على مكانها










في عالم الشياطين


الضياع ... الفراغ ... العتمة ... الالم ... العذاب

أيٌ منها كفيل بجعلنا نذوق الجحيم ! اذا فما بالك بمن اجتمعت فيه كل هذه الامور ؟

ما بالك بمن خسر كل شيء ... في لحظة ؟

حيث تنحي الرغبات احتراماً لمن آلمها وسطر حكاية عذابها بدمه الملطخ بالسواد !

بقع من التنكيل والتحقير قد اجتمعتا في بحر واحد يسمى ... الالم

العالم قاسٍ ... وحش مسعور ارتضى عذاب سكانه

وسماع شهقاتهم هو نشوته القصوى و فرحته العليا !

كان واقفاً وهو يستند على احدى الجدران ورأسه مرفوع الى الاعلى حيث غطى ملامحه شعره الذهبي الذي بدأ لونه يبهت بسبب المصيبة التي حلت به

دموعه تأبى التوقف ونبضات قلبه تأبى ان تتروى ، حيث يشعر بانقباضات مؤلمة تعتصر قلبه بقوة كبيرة ، يشعر بكل خلية في جسده وهي تصعقه بصدمة جديدة عندما يتذكر كلام ابنه البكر

تحولت دموعه هذه الى دماء تسيل من عينيه من شدة الالم الذي القي فيه وتم تجريعه له دفعة واحدة دون ان يرحموا حاله المضطربة والمشوشة

اخذ يردد بغير تصديق : مارينا ... ماتت ... مارينا ... ماتت ... مارينا ... ماتت ... مارينا ... ماتت ... مارينا ... ماتت ... مارينا ... ماتت ... مارينا ... ماتت ... !! ابنتي ... عذبت ... ابنتي ... عذبت ... ابنتي ... عذبت ... ابنتي ... عذبت ... ابنتي ... عذبت ... ابنتي ... عذبت ... !! واين كنت انا لاحميهما ؟ اين كنت ؟

وضع يديه على رأسه واخذ يصرخ بهستيرية مؤلمة ، اخذ يصرخ ويصرخ ويصرخ حتى كادت حباله الصوتية ان تتقطع وبين كل صرخة خرجت معها شهقة تتمنى الموت بسرعة تكفيراً عن اهماله هذا ، دموعه الدموية الحارة لم ترحمه كذلك ، انها تسيل وتهطل دون توقف وصوت صراخه المدوي الذي يفطر القلوب ويدخل الالم الى قلب من يسمع لم يتوقف للحظة واحدة

فهو قد خسر اهم مالديه ! وسبب الم وعذاب ثاني اهم ما لديه ! فكيف يمكنه ان يسامح نفسه ؟ كيف يمكنه ان يعيش حاملاً هذا الذنب طوال حياته ؟

سقط على ركبتيه وقد توقف عن صراخه المؤلم ذاك ، دموعه لا تزال تسقط وهو ينظر بعيون لا ملامح فيها ولا حياة الى الفراغ امامه

انتهى كل شيء .... تلك هي العبارة التي اخذت تتردد في عقله بلا نهاية ، فـ بالنسبة له فكل ما في هذا العالم قد انتهى ! انتهى الى اللا عودة

ظهرت ابتسامة على وجهه عكست كل شرور هذا العالم بنقاء ، حيث اخذ شعره الذهبي يتطاير في الهواء بعشوائية واحاطت به هالته الحمراء المرعبة

تفجر بالضحك الهستيري المرعب ليتحول شعره للسواد وتتبدل ملابسه كذلك

ليصرخ بحدة حطمت الجدران : سوف ادمر كل شيء !

طفى في الجو وهو يرسل كميات هائلة من الطاقة في الجو دمرت الغرفة التي كان فيها ، حلق الى خارج القصر وقام بتدمير نصفه ! حيث ارسل نيرانه الزرقاء الى كل مكان حوله وبدأت تلتهم كل شيء بسرعة خارقة وسط ضحكاته الخبيثة والمليئة بالشر

ثم شبك بيديه الاثنتين لتنفجر كل القرى الموجودة امامه ، ثم فرقع بأصابعه وانشقت الارض الى نصفين ليخرج منها ماء اسود مشبع برائحة الموت حيث اغرق كل الموجودين وأذاب عظامهم بسرعة رهيبة





* شكل ساتان بهيئة القوى الخاصة به










لا تزال الابتسامة على وجهه محتلة ولا يزال قلبه ينبض بالتدمير و سفك الدماء ! كل ما اراده هو القطرة التي تفيض الكأس من اجل ان يبدأ مسلسل الدمار الاكثر فتكاً ورعباً في هذا الكون

جمع كل من اصبعيه السبابة والابهام ليكون شكلاً مثلثاُ بيديه حيث ركز قوته على هذا المثلث وارسلها الى الارض فتدمرت الارض وتضاريسها وبدأت النيران تستعر في كل مكان ، ولم يكتفي بهذا ! بل ارسل زلازل سبب تصدعات ضخمة في الارض من سقط فيها هلك الى الابدية

خرج دانتاليون برفقة جيراهيم مذعورين مما يحدث امامها الان ليصرخ دان بقوة : والدي ! توقف ارجوك لا داعي لتدمير هذا العالم !

نظر ساتان الى دانتاليون بنظرات حادة اخرسته تماماً وارست الرعب في قلبه حيث قال جيراهيم بعدها بنبرة احترام : والدي ! انت افضل من هذا ، لا تدمر ما صنعته يداكِ في فترة طويلة !

لم يهتم لما قاله جيراهيم بل قام بفرقة اصابعه ليظهر سيف اسود ضخم قام بأمساكه بيده ليذعر كل من دان وجيراهيم الواقفين امامها

ليقول دان بصوت مرعوب ومهزوز : مستـ ... مستحيل هذا السيف !

كان جيراهيم يرتجف بقوة وهو يردد : انه ينوي حقاً ان يدمر هذا العالم !

لوح ساتان بالسيف ناحية احدى الجبال المحيطة بالقصر ! فانشطر الى نصفين وخرجت منه الحمم البركانية الحارقة لتسقط على احدى القرى وتقوم بحرقها ، حينها دوت اصوات صراخ الشياطين القابعين في تلك المنطقة وسط الرعب الذي بثه فيها بقوته وتعذيبه

نزل الى الارض ووقف عليها واذا بجيوش الشياطين قد تجمعت حوله لايقافه ! كانوا جميعاً يرتجفون رعباً منه الا انهم وقفوا كي يدافعوا عن عالمهم !

ضحك ساتان بسخرية عليهم وهو يقول : اتعتقدون حقاً ان بأمكانهم ايقافي ؟ انا ؟ توقفونني انتم ؟

ثم دوت ضحكته الجهنمية في كل مكان لتبث الرعب داخل كل فرد فيهم

نظر اليهم بعيون مليئة برغبة القتل وسفك الدماء

تحرك بخفة نحوهم وهو يلوح بسيفه فأخذ يقتلهم واحداُ واحداً وسط ذهول الجميع منه ، تارة قطع رؤوسهم ، وتارة اوصالهم واطرافهم ، وتارة امسك برؤسهم بيده ثم انتزعها من اماكنها ! وتارة اخرى ادخل يده في صدورهم واعتصر قلوبهم داخل اجسادهم ! هذا ان لم يرسل نيرانه الزرقاء التي تقتل كل شيء مهما امامه وتبتلعه لتحوله الى رماد

تناثرت الدماء عليه وسط احمرار عينيه ولمعان شعره الاسود مما سبب له صورة مرعبة لطالما حكت عنها الاساطير وتفننت في وصفها ، الا انهم لم يقتربوا حتى من وصف الرعب هذا الذي يمثل امامهم الان بكل هيبة و ارتيابية

لمعت بقعة في الارض ليخرج منها رجلنا ذو الشعر الارجواني والملامح الحادة ! الذي سيطر الغضب عليها ! الا انه سرعان ما صدم بحال المكان الذي جاء اليه للتو !

ملامح الارض قد اختفت تماماً ولم يعد احد يميز ما هذا المكان ، التضاريس كلها تشوهت وتدمرت بشكل مخيف ، اخذ ينظر في الارجاء واذا به يرى والده يفتك بجيش الشياطين العظيم الخاص به ! اتسعت حدقتا عينيه على اقصى انبلاج لهما وهو يراه يقتلهم بطريقة دموية ووحشية تماماً ! حتى اقوى القلوب لن تقدر على احتمال هذه اللوحة البشعة التي اخذ يرسمها بدماء ضحاياه !

صرخ كازو بقوة كبيرة : والدي !

توقف ساتان عن القتل عندما سمع صوت ابنه حيث تراجع الجيش بسرعة فائقة حتى لا يفتك بالباقين منهم !

نظر ساتان الى كازو بنظرات غامضة ليبتسم ويقول : كازو ! اتيت اخيراً ، تعال واقتل معي ! انا متأكد بأنك سترسم لوحة رائعة بفنك الجميل !

نظر اليه بغير تصديق ووجه يحمل ملامح الانكار ليقول له بغضب : والدي ! مالذي تفعله ؟ تقوم بتدمير هذا العالم ؟! هذا لا يجوز !

قطب حاجبيه ليقول بعصبية : انا لم اعد امتلك شيئاً لقد فقدت اهم شيئين في حياتي ! فالاول تركته للموت والثاني دمرته بالعذاب ! فكيف لي ان امتلك شيئاً !

شد كازو على يده حتى بدأت دمائه تسيل منها ليصرخ بقوة حادة ويقول : هذا ليس صحيحاً ! انت لم تفقد الا مارينا فقط ! ماذا عن آيـآمي ؟ ماذا عنا ؟ مالذي نعنيه لك اذا ؟ هل نحن مجرد قمامة تدوسها برجليك ؟ الا تتذكر ابتسامة مارينا ؟ الا تتذكر كيف كانت آيـآمي تبتسم لك ببراءة ؟ انت لم تفقدهما ! فما لا تزال حيتين في ذاكرتك ! آيـآمي لا تزال حية وهي تحمل دماء مارينا داخلها ! فكيف تقول بأنك فقدت كل شيء ؟

اختفى السيف من يدي ساتان واختفت اعينه الحمراء ، ليعود شعره من الاسود الفحمي الى الذهبي اللامع وهو يحمل على وجهه ملامح الصدمة و الانكار وهو يقول : لا تزال حية ؟ في ذاكرتي ؟

ابتسم كازو بهدوء وقال : اجل

{ ألون لما تسرق عباراتي دائماً }

{ انا اعشقك ، آلون }

{ لن نفترق ابداً وهذه الطفلة هي كنزنا المهم }

{ نحن البشر ضعفاء لذا نستمر بالقتال لاجل الحياة }

{ لطالما سمعت عنك من القصص والاساطير }

{ احبك كثر من أي شيء ، اياك ان تنسى هذا }

بدأت الذكريات تمر على عينيه كشريط ذهبي مليء بالامل والفرح

حيث سطعت ابتسامة مارينا الجميلة في الارجاء وبان له وجه ابنته الوحيدة في كل مكان وهو يتذكر ضحكاتها البريئة !

عادت دموعه لسيلان مجدداً وملامحه غير مصدقة لما يحدث امامه الان

اخذ يردد بصوت مهزوز وضعيف : لا يزال لدي ابنائي ! لا يزال لدي ابنتي ! لا ازال حياً !

وضع يده على وجه ودموعه تأبى التوقف في هذه اللحظة بالذات ، اقترب منه ابنائه الثلاثة كل منهم يبتسم له بهدوء حيث بثوا الامل في نفسه مجدداً

عادت الالوان الى عينيه اللتين لم تريا شيئاً بالألوان منذ ان سمع بخبر موت مارينا ! ابتسم ابتسامة اعادت الحياة الى العالم بعد ان سلبت منه مرة حيث عانق ابنائه الثلاثة بقوة كادت ان تقتلهم جميعاً

ابتعد قليلاً وهو ينظر الى الدمار الذي سببه في نوبة غضبه تلك ! تنهد بقوة وهو يفرقع بأصابعه ، اخذت الدنيا تدور من حولهم الى العكس وهم يرون كل شيء يعود الى سابق عهده

القرى ... الشياطين ... القتلى ... التضاريس

كل شيء عاد مجدداً وكانه لم يقم بالتدمير او القتل اصلاً ، فهذه احدى تقنياته المميزة وهي التحكم بوقت عالم الشياطين حيث اعاد الوقت الى ما قبل ان يقوم بالتدمير فعاد كل شيء حتى الحياة التي سلبت

نظر بعدها الى كازو وقال له بجدية : كازو ! اين آيـآمي ؟

قطب كازو حواجبه وبان القلق على وجهه ليقول : لقد قامت بحرق القصر ! وهربت ، ولم اتمكن من العثور عليها في أي مكان !

اتسعت اعين الجميع بصدمة ! بالذات ساتان الذي لن يتحمل أي صدمة تصيبه بعد الان !

نظر ساتان الى الافق وهو يقول بقلق : الى اين ذهبت ؟!











عودة الى عالم البشر

كانت لا تزال تشعر بتلك الالام القاتلة التي لم ترحمها على الاطلاق ، فأخذت تشهق وتصرخ بكل ما اوتيت من قوة لعلها بهذا تخبر الالم بضرورة تركها ترتاح قليلاً

الا ان فعلها لهذا فقط زاد من المها وقوة تعذبها الان ! اخذت تبكي بقوة وترجي وهي ترجو نهاية هذا الالم ، فهي تشعر بكل عظمة وهي تتكسر الى الالاف القطع داخل جسدها وقد اكتسحت البرودة كل وجدانها فلا تعرف الدفء بعد الان !

اخذت تتنفس بسرعة كبيرة وقد ضاقت رئاتها من قوة مناضلة ذاك الشيء للخروج الى العلن

لكن في لحظة ...

توقف كل شيء ، اختفى الالم واختفى البرد واختفى كل شيء ، توسعت رئاتها مجدداً وعادت الى ملامحها الحياة ! وكأن شيئاً لم يكن

سعلت بقوة جراء دخول ذلك الهواء بقوة وتدافعه الى داخل رئتيها كتدافع الجيوش في المعارك

زفرت الهواء بهدوء وهي تشعر بكل خلية في جسدها وهي تعود الى الوضع الطبيعي مجدداُ

ارتخى جسدها على الارضية الباردة وهي تتنهد حتى عاد كل ما فيها الى حالته الاعتيادية وفتحت عينيها بصعوبة وهي تسمع وقع خطوات في الخارج

{ سمعنا صراخاً آتياً من هنا }

{ اجل وهو لطفلة كذلك }

{ لا بد ان تكون هي }

{ هيا لندخل ونأخذها }

فتح الباب بقوة قد دمرته تماماً وشتته الى فتات تتطاير مع الرياح ، رفعت آيـآمي رأسها بصعوبة وهي تنظر الى رجال الانبو الذين دخلوا ولم تبان ملامحهم بسبب الاقنعة التي يرتدونها !

الا انها عرفت بأنهم يحملون ملامح الخبث والشر من خلف تلك الاقنعة المريبة

لا تعرف مالذي جاء بهم الى هنا ، ولا تعرف اهدافهم ، كل ما تعرفه هو ان عليها ان تخرج من هنا وتنفذ بجلدها قبل فوات الاوان ! هذا ان لم يفت اصلاً

رفعت جسدها الذي تشعر بثقل غير طبيعي عليه وهي تنظر اليهم بغضب

نظروا الى بعضهم البعض وهم يهزون رؤوسهم حيث قال احدهم بصوت جاد : اوتشيها آيـآمي ! يجب ان تأتي معنا بأوامر من دانزو – ساما !

نظرت اليهم بعيون حادة لتقول بغضب : كلا ! لن اذهب معكم

رد عليها احدهم بعصبية : لا قرار لك في هذا ! نحن مأمورون وسوف نأخذك حتى لو كسرنا عظامك

لم يسعفها جسدها المرهق في الحركة على الاطلاق ! لذا استطاعوا ان يقبضوا عليها بسهولة ويحملوها معهم الى حيث دانزو

استطاعت ان تميز المكان من بعيد وهم يركضون اليه بسرعة حاملينها معهم الى حيث لا تعرف اين ، كان بنائاً كبيراً على شكل قبة وهو متوغل في اعماق الغابة السحيقة التي تخفي بين ثناياها رعباً دفيناً وغير متوقع

توقفوا عند البوابة حينما قام دانزو بفتح الباب والظهور من خلفه وهو ينظر الى آيـآمي بنظرات شر ووعيد

اعاطهم الامر بأدخالها الى الداخل ووضعها في غرفة منفردة لبعض الوقت حتى ينهي ما يريده منها ، قاموا بتثبيتها باستعمال بعض الاصفاد الى الكرسي وخرجوا ليتركوها في غرفة خاوية من أي شيء حتى النوافذ وكل ما فيها هو جدرانها السوداء وذلك المصباح الصغير في جانب الغرفة الذي لم يسعف ضوئه في انارة الغرفة بشيء يذكر !

دخل دانزو بهدوءه المريب كعادته وهو ينظر اليها بنظرات وعيد حارقة حتى وقف امامها واخذ يمعن النظر اليها مطولاً

كانت ملامحها باردة جداً وهادئة ، غير مهتمة لما حولها ، فهي تعلم بأن هذا هو هدوء ما قبل العاصفة على اية حال

اخيرآ نطق دانزو وهو يقول : ابنة الخطيئة ! الهجينة ! انتي لا تساوين حتى ان ننظر اليكِ بنظرات الاحتقار هذه !

نظرت اليه ببرود لتقول بجدية : اذا لما تتعب نفسك بالنظر الي ؟ وتضيع الهواء من رئتيك في التحدث ؟

قطب حاجبيه بغضب شديد الا انه زفره بحده وعاد الى النظر اليها : من اجل كونوها واهلها وحتى نطور من دفاعاتنا وتقنياتنا سنحتاج الى اجراء بعض التجارب عليكِ ايتها الهجينة !

اتسعت عيناها قليلاً بصدمة وهي تسمع ما يقوله لها دانزو ، حاولت ان تفك قيدها من هذه الاصفاد الا انها لم تستطع فعل هذا فضحك دانزو وقال : لا تحاولي ! لن تستطيعي ان تهربي من بين براثني انا يا فتاة

انه ينوي شيئاً غير ما يفعله الان ! هناك امر خفي يدور في رأسه وليست قادرة على ان تكتشفه ، تلك الضمادات اللعينة التي تغطي جسده ورائحة الموت المنبعثة منه !

انها تشعر بالقلق منه حقاً ! فما يحدث لا يبشر بخير على الاطلاق ! تباً لهذه المصائب التي حلت بطفلة في الرابعة من عمرها !

نادى دانزو بعض الحراس وقاموا بفك اسر آيـآمي واخذوا يجرونها بقسوة الى غرفة مجاورة لهذه الغرفة

القوها بقوة على الارض حتى شعرت بقفصها الصدري وهو يتكسر من قوة السقوط ، سعلت بشدة ورفعت نفسها بصعوبة وهي تسمع صوت همس حولها

نظرت في الارجاء لتفاجئ ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق