الخميس، 17 يوليو 2014

البـــــآرت (الم قد طواه النسيان iii !) التاسع والعشرون



احترق.... فأن خطاياك حية للعيان

امتحش بجلدك.... الذي طغى عليه الدهر وشرب منه الحياة

اغترب ... فأنت غريب وسط الغرباء

اهرب ... فأن الوحوش لصيدك قيام

لا تحاول ان تخفي اخطائك فهي ستجدك وثم تقتلك

انك لا تساوي حتى ان يضاع عليك وقت الموت

لذعات الذل سوف تحيط بك من كل باب

سوف تهشمك وتقطعك الى آخر النسيان

لستُ حياً حتى اعينك يا رفيق

فأنا ميت قد انتهى ودفن في ظلام القبور

لن اصبو الى ما هو اعلى مني مجددا

فلحبور ليس الا وهم يستعر به السعير

سلاسلك لن تقيدني بعد برهة

وسوف اغدو حرة طليقة

لن توقفني صرخاتك المتألمة

فأنا قد اصبحت حياً من بعد الممات

وحش قد تجلى بصورة انسان

بل ظلام قد اختلى بلوعة النسيان

فالتغرب عنا وتنهي الزمان

فحلقة الموت دائرة والهلاك مكان !

تغدو ... تصبح .. تمسي لا يهم يا حياة

فأنا منسية وسط براثن........ الذئاب !













مضت بضعة آيـآم منذ عودة مارينا الى عالم البشر ، بل الاصح الى كونوها

لم تخرج من منزلها ولم تخطو على عتبة الباب ، فهي لا تريد ان ترى أي انسان

اختلت بابنتها فقط وسط طيات سكون القصر المهيب ، ولم يترائى لها أي خطر قريب

فبقيت هناك وحيدة معها مستمتعة بضحكاتها الجميلة ، التي ادخلت السرور الى قلبها الوحيد

لم تكن في منزلها هي ! بل تم جلبها الى منازل عشيرة الاوتشيها حيث من المفترض ان تبقى مع من يتشاركها نفس الدماء التي تجري في عروقها

كانت تجلس كل يوم مع ابنتها الصغيرة وهي تبتسم لها بطريقة تجعل قلبها يقفز من صدرها ، فهي سعيدة لدرجة لا تصدق معها على الاطلاق ! حتى ان اشتياقها لساتان يختفي عندما تكون معها

فهي تشعر بحضوره في ابنتها ! قد يكون ذلك بسبب كونها تحمل دمائه في عروقها ! لم تهتم بل اهتمت فقط بكونها سعيدة وستكتمل سعادتها ان زارها ساتان !

ولكن مالذي يؤخره ؟ فقد مر اسبوعان الى الان ولم يأتي حتى للزيارة ؟ هل يواجه أي نوع من الصعوبات يا ترى ؟

لم تعرف كيف تفسر هذه الاسئلة التي تجوب عقلها المفكر فيه ولكن ثقتها الكبيرة به سوف تتغلب على هذه الهواجس السوداء التي لا تفيد بغير انشاء الحزن في القلوب

وضعت آيآمي في غرفتها وخرجت كي تعد بعض الطعام لها الا انها لم تنتبه الى تلك النافذة التي فتحت من تلقاء نفسها

تسلل نسيم الهواء العليل الى تلك الغرفة التي لم تضج الا بهدوء آيـآمي وهي تراقب تلك الستائر تتحرك بخفة كبيرة حيث لمعت خصلات ذهبية من خلفها جعلت الابتسامة تعلو وجهها وكأنها تفقه ما يحدث امامها الان

تسلل ذلك الجسد من النافذة حتى تطاير شعره الذهبي معه ولمعت عيناه الزرقاء بحنين وشوق كبيرين

وقف امام آيـآمي وانحنى الى مستواها لتقوم الاخيرة برفع يديها ومدهما اليه وهي تصدر اصواتاً دالة على معرفتها بهذا الواقف امامها

قرب وجهه منها فوضعت يديها على خديه وهي تبتسم بسعادة بالغة برؤيته امامها ،امسك بيديها واستشعر دفئهما ليبتسم بسعادة ويقوم بحملها ومعانقتها بقوة

: اشتقت اليكِ يا صغيرة

قبلها على جبينها بحب وهو يلاعبها حتى صدى صوت ضحكاتها في ارجاء المنزل كافة

سمعت مارينا الصوت فتعجبت ، فمالذي سيجعل آيـآمي تضحك بهذا الشكل الكبير ؟

تركت ما في يديها واسرعت متجهة الى حيث غرفة آيـآمي حتى وصلت الى هناك بسرعة وفتحت الباب

في تلك اللحظة توقف الزمن ! عاد شريط الذكريات ، انقشع ضباب الشوق عن قلبها والتهبت تلك الشعلة الخافتة فيه !

تجمعت الدموع في عينيها وهي تشاهده ينظر اليها بابتسامة عذبة مملوءة بالحب والشوق

ركضت مسرعة حتى القت بنفسها في حضنه وعانقها بشدة وهو يريد ان يدخلها بين اضلاعه حتى لا يستطيع احد ان يفرقهما بعد اليوم

دفن رأسه في شعرها الاسود الفاحم واخذ يشتم عبيره الاخاذ ، حتى ابتعد عنها بعد برهة واخذ ينظر الى عينيها الزرقاوات اللتين اشتاق اليهما بشدة

مسح بيده على وجنتها المحمرة خجلاً من ابتسامته لينطق بعبارته : اشتقتُ اليكِ مارينا ! لدرجة ان الحجيم لن تكفي نيرانها لتعبر عن نيران اشتياقي لكِ !

اخذت دموعها تهطل من عينيها وهي تبتسم بسعادة بالغة لتقول هي : لماذا تسرق جملي دائماً ؟

ابتسم لها واخذ يقترب منها ببطئ حتى اطبق شفتاه على شفتيها وقبلها بحرارة تعبر عن اشتياقه لها

ابتعد بعد فترة ليعيد النظر الى ملامحها التي اشتاق اليها اكثر من أي شيء في هذا العالم

التفت الى آيـآمي التي كانت تراقب كل شيء بهدوء وكأنها لم ترد ان تقاطع لحظات التقاء والديها

ابتسم ساتان لها وقال : آيـآمي ! تعالي الى هنا

تعجبت مارينا ! فآيـآمي لم تزحف بعد حتى ! فكيف ستأتي اليه ؟!

بدأت آيـآمي تتحرك بصعوبة قليلاً حتى بدأت تزحف وتسقط مراراً وسط ابتسامة مارينا الفرحة وفخر ساتان الذي ايقن بأن كون آيـآمي نصف شيطان سوف يجعلها تكبر وتدرك بشكل اسرع من البشر العاديين

وصلت آيـآمي الى ساتان وقام بحملها وقلبها على خدها الايمن وقال : احسنتِ يا صغيرة ! كما هو متوقع من ابنة والدها !

ابتسمت مارينا الا انها سرعان ما زمّت على شفاهها لتقول بغيض : آلون ! لما لم تأتي للزيارة من قبل ؟

نظر اليها بابتسامته المعتادة ليقول بهدوء : لاني انشغلت بمحاربة بعض الشياطين الاغبياء

تعجبت مارينا ليكمل هو بغصة : مارينا! حبيبتي ! اسمعيني جيداً قد لا اتكمن من القدوم لزيارتك على الاطلاق لفترة طويلة بسبب الحرب التي نشبت في عالم الشياطين !

شعرت مارينا بانقباض في قلبها لتقول : حرب ؟

هز رأسه بالايجاب ليكمل : اجل ، فقط عرفنا من قتل اصدقاء التنين ! انه شيطان قوي له بعض النفوذ وقد فعل ذلك تعبيراً عن سعادته بولادة وريثي ! وعندما تحدثت اليه بخصوص هذا غضب وجمع جيوشه كي يقوم بمحاربتي واثبات اني لا استحق حكم ذلك العالم ! بالطبع قتلت نصف جيشه في اقل من ثانية ولكن هذا اتى بمضاعفات جانبية على عالم الشياطين فأنتِ تعلمين بأن قواي هائلة وتسبب الضرر اكثر من النفع ! لذا سآخذ وقتاً حتى احاربهم وانهي الامر للابد

لم تعرف كيف تجيب عليه ! فهي الان تشعر بأن قطعة من روحها قد تم نزعها غصباً وترهيباً ! انزلت رأسها وهي تفكر بالموضوع حتى وصلت الى القرار الحاسم فرفعت رأسها وهي تبتسم بثقة وتقول : آلون ! ابذل جهدك واعلم بأني اساندك في كل ما تفعله يا عزيزي ! انك الحاكم هناك لذلك يجب ان تعيد السلام الى شعبك واعلم بأني ادعمك وانتظرك هنا لذا لا تقلق فسوف اكون بخير الى حين عودتك

اتسعت عيناه دهشة من هذا ! فهو لم يعتقد بأنها ستقبل بهذا بسرعة فابتسم بفرح ليقول في نفسه : انتِ مميزة ! ولولا هذا ما كنت وقعت في شراكك

اقترب منها مجدداً واعاد تقبليها بحب وقال : اذا علي ان اذهب الان خاصة وان الحرب مشتعلة بحدة في هذا ، الا اني تسللت من بين جموع الحشود واتيت لرؤيتك

ضربته بقوة على رأسه حتى ظهر تورم صغير وقالت بغضب : مالذي تقوله ؟! تسللت ؟ وسط الحرب ؟ فالتعد الى هناك وتقاتل ! حقاً !

ابتسم وحول ناظريه الى آيـآمي وقال : صغيرتي انتبهي على والدتكِ جيداً فهي خرقاء كما تعلمين

ابتسمت آيـآمي وكأنها تفقه ما يقوله ، اما هو فقج ابتسم ابتسامة غامضة لم تفهم مارينا معناها على الاطلاق

اختفى من امامها في لحظة وتركها خلفه ذات فؤاد مفطور وقلب يحترق حسرة لانها ليست معه تسانده فيما يحدث

نظرت لآيـآمي وقالت : على الاقل لدي اعظم هدية في هذا العالم وهي انتِ يا صغيرتي فأنت اهم من أي شيء في حياتي

حملتها وهي تمسح على رأسها وتقبلها عند نحرها بحب كبير لتضع آيـآمي رأسها على صدر امها وهي تتثاءب حتى غفت عيناها للنوم طواعية

شعرت مارينا بشعور غاية في ألجمال شعور ان تكون مسئولا ، شعور ان تكون تحمل بين يديك جزءاً حياً منك وأنت تراه يعتمد عليك ! شعور بالدفء والراحة لن تنساه ما عاشت فهاهي الان تحمل بين ذراعيها اجمل ما في حياتها كافة

وضعت مارينا صغيرتها على سريرها وأخذت تراقب ملامحها النائمة الجميلة ، فهي لم تفكر ابداً بإنجاب اطفال عوضاُ عن الوقوع الوقوع في الحب

قد تكون صاحبة اسعد حظ في هذا العالم ، وقد يتراءى لها هذا........ من يعلم ؟

مرت الايام والشهور ... حتى مرت الان سنتان تقريباً ، اصبحت آيـآمي فيهما واعية بشكل مدهش وهي تفهم كل ما حولها وتتحدث بطلاقة رآئعة

وفي عالم الشياطين تعتبر في الرابعة من عمرها كذلك

في احد الايام تم ارسال مارينا الى مهمة بسيطة كي تجلب بعض الاحجار النادرة من عند احد سفوح الجبال القريبة من كونوها

فاستعدت لها وخرجت تاركة آيـآمي تحرس المنزل لوحدها دون علمها بأي مما سيحدث بعد هذه المهمة

وصلت مارينا الى عند السفح واخذت تجمع الاحجار بمهارة فائقة حتى انهت جمع كل ما تحتاج في غضون دقائق

ابتسمت وهي تقول : يبدو وكأني لم افقد مهارتي بعد

اخذت تسير في طريقها بأريحية قصوى لانها تحمل بين يديها كمية كبيرة من الاحجار الثقيلة ، حتى دخلت الى جوف الغابة لتعبرها ، لطالما اشتهرت هذه الغابة بكائناتها التي لا يعرف عنها شيئاً

شعرت بنوع من الهواجس السيئة فحاولت طردها فهي لطالما جاءتها مثل هذه الهواجس الكاذبة حتى تنغص حياتها وتمزقها !

الا ان هذه المرة مختلفة تماماً فهي تشعر بواقعية هذا الشعور المرعب داخلها وكأن شيئاُ غاية في الشؤم سيحدث في أي لحظة من الان !

توقفت واخذت نفساً عميقاً وأخرجته ببطء شديد حتى شعرت بنوع الراحة سرعان ما تبدد وعادت هواجسها بشكل اكثر رعباً

في ثانية تجمع الضباب الكثيف من حولها ولم تستطع ان ترى أي شيء حولها ، وظهر تدريجياً صوت نحيب وبكاء لم تستطع ان تميزه

الا انها ادركت بأنه لامرأة عجوز او فتاة صغيرة ! على اية حال لانثى ، هذا ما قالته لنفسها

خفت الضباب قليلاً واستطاعت ان ترى تلك المرأة التي تواجهها بظهرها وهي تترنح في جلوسها وصوت نحيبها حاد ويدمع العين من قوة الحزن الذي يدسه في القلوب

تركت مارينا الحقيبة عندما شعرت بالشفقة على المرآة واتجهت صوبها بهدوء حتى انحنت الى مستواها وهي تنظر الى ظهرها المتقوس دلالة على كبر سنها !

ابتسمت بصعوبة وقالت : عزيزتي ! هل انتِ بخير ؟

لم تجبها المرأة بل بقيت على صوت نحيبها الحزين الذي جعل قلب مارينا ينقبض بقوة ، اعادت مارينا السؤال : هل انتِ بخير يا سيدة ؟

انتفضت السيدة بشكل افزع مارينا وجعل اوصالها تتجمد مكانها ، صمتت السيدة لفترة حتى عادت الى النحيب الا ان صوتها النحيبي بدأ يتحول الى صراخ حاد كاد ان يصم مارينا من قوته

ابتعدت مارينا وهي تغطي اذنيها من الالم حتى ابعدتهما واتجهت ناحية السيدة وامسكت بكتفها وادارتها ناحيتها ليتحول لون وجهها الى الازرق من الرعب الذي دب فيه فجأة ! فتلك السيدة لم تكن تمتلك أي وجه ! كان وجهها مجرد جلد ذائب بلا ملامح او اعضاء !

سقطت مارينا واخذت تتراجع زحفاً من خوفها من هذا المخلوق امامها ! حتى وقفت تلك المرأة واخذت تسير ناحية مارينا التي لم تسعفها قدماها في الهروب

وصلت اليها وامسكت بها من كتفيها ومن ثم تركتها وامسكت بيدها اليسرى ، فتح وجهها وخرج منها شيء ما اسود واخترق يد مارينا حتى اصبح يجري في عروقها ، شعرت بألم ليس له مثيل فأخذت تنتفض بحدة وهي تشعر بأنها قد القيت بين نيران الجحيم نفسها ، تعالت صوت صرخاتها مع صوت ضحك المرأة الهستيري حتى فقدت وعيها تماماً !

استيقظت بعد فترة وكان من الافضل لو انها لم تفعل ، العالم الان مختلف تماماً في نظرها ، كل شيء مختلف ، حتى ملامح وجهها الهادئة اصبحت حادة ، شعرت بأنها شخص آخر مختلف تماماً

تجاهلت هذا وفكرت بما حدث على انه حلم ، وقفت ومن ثم امسكت بالحقيبة واعادت الجري السريع ناحية كونوها

وصلت بعد برهة ودخلت متجهة الى مكتب الهوكاجي واعطتها الحقيبة وخرجت مسرعة لتعود الى المنزل ، فهي تشعر برغبة قوية في فعل امر ما الان !

دخلت الى المنزل لتصرخ بحدة : آيـآمي ! آيـآمي اين انتِ ؟

اتتها آيـآمي وهي تبتسم بسعادة وتقول : اهلا بعودتك ، امي !

نظرت اليها بازدراء وقالت لها : اجمعي اغراضك سوف نذهب الى منزلي الخاص ! لا ارغب بأن ابقى وسط الاوتشيها

تعجبت آيـآمي من اسلوب والدتها الحاد والغير طبيعي ، الا انها نفذت ما امرتها به وخرجت برفقتها بعد ان جمعت اغراضها وذهبتا الى القصر الخاص بمارينا والقابع في احدى غابات كونوها الواسعة

وصلتا الى الداخل ووضعتا الاغراض ، نظرت مارينا لآيـآمي بنظرات وعيد ، امسكتها من يدها بقوة وخرجت برفقتها الى الخارج وسط صرخات آيـآمي وهي تقول : امي هذا مؤلم ، امي !

توقفتا عن بداية حدود المنزل ، اخرجت مارينا سكيناً من جيبها ورفعت يد آيـآمي وهي تقرب السكين منها ، شعرت آيـآمي بالرعب مما تفعله والدتها لذا اخذت تصرخ : لا امي ! ارجوكِ لا ، انا آسفة ان كنت فعلت امراً سيئاً لكن لا تفعلي هذا ارجوكِ !

ضاقت عينا مارينا بغضب وصرخت : اصمتي والا قطعت لسانك !

دهشت آيـآمي لذا صمتت وهي ترى والدتها تقوم بقطع عروق يدها اليسرى ، اخذت تتأوه من الالم وهي تشاهد دمائها الحمراء تسقط على الارض بغزارة كبيرة ، القت مارينا آيـآمي بقوة كبيرة على الارض واقتربت من الدم

اخذت تنفذ اختاماً ما حتى اختفى الدم في جوف الارض وهي تقول في نفسها : هكذا لن يجدنا ساتان ابدا!

نظرت آيـآمي الى يدها التي شفيت من الجرح العميق الذي حصلت عليه ونظرت الى والدتها بخوف ، لتنظر اليها مارينا بنظرات باردة وغير مهتمة ، قالت لها ببرود حاد : فلتدخلي الى الداخل في الحال

وقف آيـآمي بصعوبة من الخوف واتجهت ناحية المنزل وهي تشعر بنوع من القلق تجاه ما يحدث الان

دلفت الى الداخل وهي تحاول ان تجد لها مكاناً للاختباء من امها حتى تهدأ قليلاً من غضبها اللا مبرر الا انها لم تعرف القصر جيداً لذا فهي لا تعرف اين يجب ان تذهب

لم تشعر الا بتلك القدم التي دفعتها على الارض بقوة وداست فوق صدرها بقوة ، رفعت ناظريها لترى والدتها واقفة امامها بوجه بارد وهي تنظر اليها باستحقار

: لطالما كرهتك يا طفلة ! لا اعلم كيف اقنعت نفسي بحبك ! انت مجرد قذارة لا داعي لها في هذه الحياة !

خرس لسان آيآمي من الصدمة ! لم تعرف لما تقول لها امها هذا الان ، الا ان ضغط قدم امها على صدرها جعلها تشعر بنهايتها التي اقتربت

بدأت تسعل بحدة ومارينا تزيد بضغط قدمها على صدرها حتى ازرق وجهها من شدة الاختناق ، ابتسمت مارينا برضا وقالت : هذا جيد ! يجب ان تكوني محتقرة ومستضعفة هكذا للابد

ابعدت قدمها عنها وسارت في طريقها وسط الرعب الذي وضعته في قلب طفلتها الغير مصدقة لما يحدث هنا الان !

اخذت تتنفس بصعوبة قصوى وهي تحاول ان تقف ، وقفت بعد برهة واخذت تسير بين جنبات القصر حتى تجد لها غرفة ما تقيها من هذا الرعب

لم تعرف اين يجب عليها ان تبقى ، كل ما عرفته بأنها بحاجة لملجأ يقيها غضب امها المحتد

اتجهت ناحية احدى الارائك الموضوعة في القصر ومن ثم استلقت عليها وضمت نفسها لتغط بالنوم وهي ترتجف برداً ، فالقصر بارد لدرجة الصقيع

فتحت عينيها في اليوم التالي لتصدم بالحالة التي هي عليها ، كانت مكبلة بالسلاسل من يديها وهي وسط غرفة مغبرة لا ينفذ اليها الضوء الا من فتحة صغيرة

شعرت بالخوف الشديد لذا بدأت بالبكاء الصامت حتى بان صوتها واخذت تصرخ : لا اريد ان ابقى هنا ! امي !

فتح الباب لتظهر مارينا من خلفه وهي تبدو على حال اسوء من الامس ، الشرار يتطاير من عينيها من الغضب ، اقتربت من آيـآمي وهي تصرخ بصوت مرعب : مالذي تريدينه ؟

نظرت اليها آيـآمي برعب وقال بخوف : اريـ .... اريد الخروج ، انـ....انا خائفة !

زفرت مارينا بحدة وهي تنظر الى آيـآمي باحقتار لتقول : اسمعيني ! من الان وصاعداً ستكون هذه غرفتك ! يجب ان تكوني شاكرة لاني اعطيتك غرفة ايها القذرة !

صمتت آيـآمي من الرعب التي وضعت فيه حتى فوجئت بتلك اليد الحارقة التي صفعتها بقوة كبيرة جعلت الدم يسيل من شفاهها الصغيرة

نظرت الى والدتها بنظرات مرعوبة ومصدومة وهي تسمعها تصرخ في وجهها : لاتتجاهليني ! يالكِ من وقحة لا تفقه شيئاً !

وانهالت عليها بالضرب المبرح حتى انهت هذا بعد ربع ساعة تقريباً وخرجت لتغلق الباب خلفها وتترك آيـآمي التي تبكي بحرقة وقد ملأت الكدمات جسدها في كل مكان !

وهكذا مرت سنة كاملة على هذا المنوال ، كل يوم تقوم مارينا بضرب آيـآمي وشتمها وتنظر اليها بنظرات الوعيد ، حتى اذا مر يوم لم تقم مارينا فيه بضرب آيـآمي يعتبر هذا العيد بالنسبة لهذه الصغيرة المستضعفة

في احدى الايام جائت مارينا بسرعة الى غرفة آيـآمي وفكت قيدها وهي تقول لها : اسمعيني انتي في الثالثة ! وتعتبرين في السادسة في عالم الشياطين ! لذلك عليكِ ان تخرجي الان وتبقي في الخارج لوحدكِ وتريني قدرة احتمالك ، افهمتِ ؟

هزت رأسها بالايجاب فأخذت مارينا تجرها بقوة حتى شعرت بأن يدها ستقتلع من مكانها من قوة جرها اياها وقامت بألقائها خارجاً بقوة وعنف حتى شعرت آيـآمي بأن عظامها يتتحطم من قوة ارتطامها بالارض !

نظرت اليها بحدة لتقول ببرود قاتل : اذهبي الى الغابة وحدك وعودي في الليل افهمتي ؟ لا اهتم ان قطعتِ او قتلتِ هيا فالتغربي عن وجهي !

وقفت آيـآمي واتجهت ناحية الغابة بانصياع وهي تكتم شهقاتها الحارقة ودموعها التي تأبى البقاء في محجري عينيها

اخذت تسير وتسير حتى توغلت في اعماق الغابة وخفت نور الشمس الساطع بسبب كثافة الاشجار الباسقة والخضراء التي احاطت المنطقة ، نظرت الى كيف يتخلل شعاع الشمس بين الاشجار ويتلألأ بصورة غاية في الجمال ، حتى ابتسمت بهدوء

شاهدت جدولاً صغيراً قد صدى صوت خريره في الارجاء ولمعت مياهه الزرقاء بلمعة الحياة الغالية

اقتربت منه وشاهدت انعكاس وجهها على الماء ، شعر اشقر وعينان زرقاوات ووجه مليء بالكدمات والجروح

ابتسمت بألم وهي تبتعد عنه حتى فقدت طريقها ولم تعرف الى أين يجب ان تذهب ، سمعت صوت شخص ما آت من مكان قريب

لذا اتجهت اليه آملة ان تجد من يعينها في محنتها هذه ، فوقفت خلف احدى الاشجار وهي تسترق النظر الى ذلك الشخص بعد ان وصلت اليه

كان شخصاً ذو بنية جسدية قوية وله شعر ارجواني طويل وعريض الظهر كذلك الا انها لم تستطع ان ترى وجهه وقد كان جالساً امام قبر ما وهو يحدثه بمرارة في صوته

شعرت بنوع من الهيجان في مشاعرها فهي قد شعرت بمشاعره بمجرد النظر اليه لذا سارت اليه بشكل مستقيم حتى شعر هو بها فالتفت بنظرات مرعبة موجهة اليها الا ان هذا لم يوقفها

نظر اليها واخذ يتمعن في ملامحها الا انه لم يدرك من تكون !

نظرت اليه بحزن عميق وقالت بغصة متألمة : لماذا ؟

ضاقت عيناه ليقول : ماذا ؟

تلألأت عيناها بالدموع وقالت له بألم : لماذا انت محطم هكذا من الداخل ؟

اتسعت عيناه بدهشة ، فكيف استطاعت هذه الفتاة ان تعرف هذا ؟

اقتربت منه وهي تضع يدها الصغيرة على صدره وتقول والدموع تنهمر من عينيها : انت ضائع ! تشعر بألم لا مثيل له من الندم داخلك ، ضائع في دوامة الظلام اللا منتهية ! انت محطم وكل جزء منك ينزف حتى الممات !

شعر بهيجان في مشاعره ! توقف قلبه عن النبض جراء حديث هذه الطفلة الغير معقول ! فهي قد فسرته في كلمات معدودة

نظر اليها بألم وملامح وجهه قد لانت لدرجة كبيرة وهو يقول : من انتِ ؟

ابتسمت بصعوبة وهي تقول : ادعى آيـآمي او هكذا اظن

اتسعت عيناه بصدمة بالغة لتتحول بعدها الى ابتسامة حانية ويقوم بوضع يده على خدها ويقول بسعادة وهدوء : انتِ هي اختي الصغيرة اذا ؟

شعرت بنوع من الدهشة لتقول له بانكار : ولكن انا لا اب ولا اخوة لي !

قطب حاجبيه بقوة ليقول بضيق : ومن قال هذا ؟

اشاحت بوجهها قليلاً لتقول بصوت خافت : امي !

ضاقت عيناه ليقول بصدمة : مارينا ؟ ولما ؟

لم تجبه بل اكتفت بالصمت اجابة لسؤاله ، انتبه على الكدمات الموجودة على وجهها وعلى كافة جسدها ، شعر بالدم يغلي في عروقه وهو يقول : من يجرؤ على لمس سليلة ساتان ؟

لم تجبه على الاطلاق بل تحولت ملامحها الى الارتباك والخوف مما سيحدث ، نظر اليها بألم ليتنهد ويقول : على اية حال ، هذا صحيح انتي تكونين اختي الصغيرة استطيع ان اشعر بدم ساتان في عروقك ! انا اكبر اخوتك وادعى كازو !

نظرت اليه بدهشة وسعادة لتقول : كازو ؟ اخي ؟ ، هذا رائع

ابتسم على بلاهتها او هذا ما يظنه هو وجلس معها وتبادل معها اطراف الحديث وهو يحدثها عن والدها ساتان واخوتها السبعة المزعجين

شعرت بنوع من الراحة لانها بجانبه فعلى الرغم من كونه قاسياً الا انه حنون جداً وطيب القلب ومضحك كذلك !

حل الليل مطبقاً وهو يجثم ويستر كل سائر ، ودع كازو آيـآمي وتركها لوحدها كي تعود في الطريق الى منزل الرعب ذاك

وصلت اليه بعد العديد من المحاولات للسير ودخلت الى داخل القصر لترى مارينا جالسة وهي تقرأ كتاباً ما و لا يبدو عليها القلق على الاطلاق !

رفعت ناظريها ووجدت آيـآمي امامها فضاقت عيناها بانزعاج وقالت : عدتي اذا !

انزلت رأسها بقليل من الخوف منها لتقول : اجل !

اشاحت مارينا بناظرها عنها وقالت بصوت خافت الا ان آيـآمي سمعته : لما لم تمزقكِ الوحوش وتتركنا نرتاح منكِ ؟

شعرت بأن قلبها سوف يعتصر من الالم الذي هي فيه الان ، انحنت وحيت والدتها لتتجه مرة اخرى الى تلك الغرفة المغبرة والباردة والمظلمة لتجلس عند ركن الجدار وهي تسد اذنيها حتى لا تسمع صوت صراخ والدتها المدوي الذي يعبر عن الالم والحسرة

ففي كل ليلة تصرخ مارينا وكأنها تتعذب بصوت مرعب يجعل الدماء تجف في العروق ومن ثم تأتي لتبرح آيـآمي ضرباَ وهي تلومها على الحال التي هي فيه

مر الان اسبوع على آخر مرة رأت فيه آيـآمي ضوء الشمس ، فهي كانت حبيسة هذه الغرفة منذ ان دخلتها ذلك اليوم ، كل ما حولها هو رائحة دمائها المتناثرة على الجدران وعلى الارض وفي كل مكان

شعرت بأنها ستصبح عمياء قريباً من كثرة بقائها في الظلام هنا ! عرفت من خلال تلك الفتحة الصغيرة في الجدار بأن الظلام قد حلت وقد توقف تساقط الثلوج وغطى كل شيء بلباس ابيض نقي لم ينقصه الا سجادة الدم التي تزيده لمعاناً ورعباً

سمعت صوت ادارة القفل وفتح الباب ببطئ حتى اصدر صريراً مزعجاً جعل القشعريرة تدب في نفسها لتظهر والدتها بهدوء من خلفه كالاشباح تماماً ! اخذت تسير ناحيتها حتى امسكتها من يديها دون ان تنطق ببنت شفة وسحبتها الى الخارج والقتها وسط الثلوج الباردة بلباسها الخفيف ذاك

نظرت اليها وقالت بحدة : انتِ فتاة سيئة ! بيتي هنا الليلة !

ثم اغلقت الباب بقوة اصدرت ريحاً باردة جمدت عظام آيـآمي الملقاة على الثلج

وقفت وهي ترتجف بحدة وتتنفس بسرعة كبيرة جداً من هذا البرد ، نفثت بعض الهواء في يديها لعلها تشعر ببعض الدفئ الا انها لم تغير شيئاً ، اخذت تفرك يديها حتى تشعر ببعض الحرارة الا انها لم تتغلب على هذا الجو البارد

احمر انفها بقوة وكذلك اطراف اصابعها لتهب رياح لم ترحم حال هذه الطفلة وتجمد دمائها في عروقها ، ازرق جسدها كاملاً وهي تشعر بأن رئتيها تضيقان شيئاً فشيئاً من هذا الصقيع

شعرت بأن يديها ورجليها ستبتران من تجمدهما فقد اصبحتها كأغصان الاشجار من اليبوسة ، حتى الارتجاف اصبح مؤلماً بشكل فظيع بسبب البرد

تساقط دموعها وهي تكتم شهقاتها الباكية حتى لا تزعج والدتها وتأتي لضربها مجدداً ، اغمضت عينيها وهي تتمنى الموت في أي لحظة الان ! فهي لم تعد تحتمل كل هذا الالم القاتل

شعرت بدفئ غريب امامها ففتحت عينيها ببطء لتفاجئ به واقفاً امامها بملامح مصدومة وغاضبة

انحنى امامها بسرعة وعانقها بقوة كبيرة وهو يريد ان يدفئ جسدها البارد كالجليد

قال بغضب ونية واضحة للقتل : لما فعلت بكِ هذا ؟

اخذت تبكي بحرقة وهي تقول بألم وراحة : اخي كازو !

زاد من قوة عناقه لها ليحملها معه ويختفي من امام القصر ، ظهر في داخل منزل صغير في المجهول ليتجه بسرعة ويضعها على الكرسي المجاور للمدفأة ويقوم بتغطيتها جيداً

نظر الى كيف ترتجف وتتنفس بصعوبة بالغة والى كيف وجهها محمر بشدة وعيناها قد دخلتا الى جوفهما فشعر بالخوف عليها وامسك بيدها ليتركها بصدمة ويقول : انتِ تغلين ! يا الهي لقد اصبتِ بالحمى !

انتصب بسرعة وحملها ليضعها على السرير الموجود عن الطرف ويغطيها بشكل جيد ، قام بعض اصبعه ولون اصبعين من اصابعه بدمه ليضعهما على جبهتها ويقول : هذا سوف يجعل الحمة تذهب ولكنه سيحتاج بعض الوقت !

ظهر ضوء ازرق خفيف ووظيفته هو العلاج ولكن المشكلة انه يأخذ وقتاً كي يشفي تماماً وفي حالتها قد يأخذ يوماً كاملاً فقط

جلب الكرسي ووضعه عند السرير وجلس عليه وهو يراقبها جيداً حتى لا يحدث لها مكروه اكبر، شعر بالتعجب فمارينا ليست من النوع الذي سيفعل هذا بطفلته ! ربما حدث شيء ! قرر ان لا يخبر والده حتى يتبين حقيقة ما حدث فقبل ثلاث سنوات تقريباً اختفت مارينا من نطاقهم ولم يتمكنوا من العثور عليها او على آيـآمي

وقد جن ساتان بطريقة هستيرية حتى انه قتل الفي شيطان من الغضب الذي حل به !

مر يوم كامل وقد شفيت آيـآمي تماماً وقام كازو بأرجاعها الى المنزل بهدوء حتى لا تدرك مارينا ما حدث ، اقترب منها وهو يقول بابتسامة عذبة : لا تقلقي يا صغيرة سوف احميكِ دائماً

قبلها على جبينها لتبتسم له ابتسامة اعادت له مشاعر قد نسيها منذ فترة طويلة جداً

هذه اول مرة يشعر بأنه يحب احد اخوته حقاً ! ربما لانها مميزة فقد استطاعت الدخول الى قلبه وجعله يتعلق بها بسرعة كبيرة

ضم يديها بيديه الكبيرتين وهو ينظر الى عينيها الصافيتين اللتين انعكست صورته عليهما ، ابتسم ابتسامة بديعة ادخلت الحياة الى جسدها المتهاوي في الهاوية السوداء

قال لها بصوت هادئ مليء بالمشاعر التي تجعل القلب مرتاحاً : انتِ مميزة ! وانا سأكون حليفك للابد فلطالما انتظرتك والان انتي هنا وسوف لن اخذلك ابداً

ابتسمت له بصدق لاول مرة وهي تقول محاولة قمع الدموع : اخي كازو ! شكراً لك ! انت الافضل حقاً

تودت وجنتاه ليقول بارتباك : اصـ .. اصمتي ايتها البلهاء ! اياكِ ان تمتدحيني بهذا الشكل مجدداُ .. لانـي اخجل بسرعة ايتها الحمقاء

ضحك بخفة عليه حتى تجمعت دموع السعادة في عينيها وسعد هو لكونها ابتسمت له ، شعر بقدوم شخص ما..

اختفى من امامها ليفتح باب القصر بعدها وتظهر مارينا وتسحب آيـآمي الى الداخل وهي تشعر بالغيظ الشديد منها وتقول بصراخ : لما ؟ لما لا تموتين مهما حاولت قتلك ؟ الا تفهمين ؟

توقفت لتترك يد آيـآمي وتدفعها بقوة وهي تصرخ في وجهها وتقول : انا اكرهك ! انا لا اريدك ! فالتختفي من حياتي وتريحني ، انتِ لست الا شبحاً يطاردني في منامي ويحول سعادتي الى كوابيس سوداء

وضعت يديها على رأسها وهي تصرخ بطريقة مرعبة وتكمل بحدة : يا الهي انتِ اكبر خطيئة ارتكبتها في حياتي ! اتمنى لو انكِ لم تولدي على الاطلاق !

شهقت آيـآمي بقوة وهي تسمع عبارات والدتها الجارحة لتكمل مارينا صراخها القاسي : لو انك متِ وانا حامل بك ! لو اني فقط قمت بقتلك لحظة ولادتك ! لو اني فقط انهيت حياتك قبل ان ارى وجهك التعيس ! لكنت بخير ! انت نحس قد انزل علي ، ايتها الطفلة الملعونة ! فالتموتي ، فالتموتي ، فالتموتي !

وضعت يديها على رأسها مجدداً وهي تصرخ من الم رأسها الحاد الذي لا ينتهي على الاطلاق ! لم تعد هذه المرأة هي مارينا التي يعرفها الجميع ، فجميع من في القرية قد لاحظ تغيرها الشديد رغم انه لا يمد لآيـآمي بصلة ولكن لا احد يعلم هذا

صمتت مارينا بعدها بفترة و هي تنظر لآيـآمي الواقعة على الارض بازدراء شديد ، تنهدت بقوة لتقول بهدوء غير معهود : اذهبي الى غرفتك الملعونة في الحال !

وقفت آيـآمي وهي تقول بهدوء : حاضر

اتجهت الى غرفتها المظلمة لتختبئ بين اركانها المظلمة الباردة وسط سكون الهواء ورعب المجهول المحيط بها

في اليوم التالي استيقظت على صوت صراخ والدتها كالمعتاد وقد فتح الباب كعاصفة هوجاء قد اغرقت سفينة محملة بالركاب وشعرت بيدها تقتلع من قوة الجر وهي تسمع اوامر والدتها وهي تقول : اسمعيني ايتها الحقيرة ، سوف تذهبين الى القرية وتحضرين لي بعض الكتب التي احتاجها ، لا داعي لاذهب انا ما دمتِ موجودة كي تخدميني فهذا واجبك لأنك افسدتي حياتي وقسمتها الى قسمين من الجحيم

اعطتها النقود ودفعتها خارجاً وهي تنظر اليها بوعيد ان لم تعد محملة بالكتب المطلوبة !

اتجهت آيـآمي بسرعة الى القرية لتتجه جميع الانظار اليها ، في الواقع هذه المرة الاولى منذ قرابة السنة والنصف التي تخرج فيها الى القرية وينظر اليها الجميع بهذه النظرات المحتقرة والمتقززة

اخذت تسير بين حشود الجموع وهي تنظر الى وجوههم التي تعلن العداء نحولها وتلعنها من كل جانب

كانت تسمع همسات الناس وهم يقولون

- يا الهي يا للمسكينة مارينا انها لاتستحق مثل هذه القمامة !

- لو ماتت لكان الامر افضل لها

- كله بسببها مارينا قد اصبحت هكذا

- يالها من مخلوق قذر ، كم ارثي لحال مارينا

- لو لم تولد لكان الامر افضل

- يا لها من ملعونة انظروا الى قبحها

حبست دموعها كالعادة وهي تسير محاولة ايجاد دكان الكتب هذا ، وجدته بعد فترة وقد دخلت اليه لتنظر اليها البائعة بنظرات متقززة وتقول لها بحدة : مالذي تريدينه ايتها الوحش ؟

نزلت عليها الكلمة كالصاقعة الا انها لم تبين هذا فقالت بهدوء واحترام : امي تقول بانها قد طلبت منكِ مجموعة كتب وقد اتيت لاخذها

رفعت البائعة احد حاجبيها واعطت آيـآمي الكتب واخذت النقود بطرف اصابعها ، ففي نظرها فالنقود الصبحت قذرة بسبب لمس هذه الفتاة الوحش لها !

اخذت آيـآمي تسير وهي تمسك بالكتب بين يديها ليعيد السيناريو نفسه وتسمع كلام الناس اللاذع والقاتل ، الا انها لم تعطِ ذلك ايَ اهتمام فهي قد اكتفت بوالدتها التي تحتقرها بشدة

كانت تسير في خط مستقيم حتى تعثرت بسبب قدم احد المارة الذي مدها حتى تسقط تلك الطفلة على الارض بقوة

تألمت من السقوط فضحك الجميع عليها بطريقة هستيرية وهم يقولون

- وحش ضعيف

- يالها من ضعيفة هل هي حقاً ابنة مارينا

- غبية

- تستحقين الموت ايتها الوحش

جمعت الكتب وقامت بتنظيفها وهي تتجاهل احاديثهم الغير ضرورية ، رفع احد الاشخاص حجراً من الامر والقاه بقوة عليها حتى ضرب جبهتها وجعلها تسيل دماً

توالت عليها الاحجار التي تلقى عليها كمطر من السماء حيث لم يزدها سوءاً غير ضحكهم عليها وسخريتهم منها

لم تترك تلك الاحجار مكاناً سليما في جسدها بل تورم كله فوق تورمه السابق بفضل ضرب امها لها

دموعها تسيل كالسيل في الوديان والدم على عينيها السائل من اعلى رأسها قد اختلط من دموعها وجعلها تبكي دماً بدل الدموع ، الا ان ملامح وجهها كانت صلبة وجادة وهي تجمع الكتب وتنظفها وتعيد حملها والسير بها مجدداً وسط غيظ الجميع منها

وصلت الى البيت بعد فترة ودخلت لتعطي مارينا الكتب ، رفعت مارينا احد حاجبيها وهي تقول باستهزاء : من ضربك ؟ هل فعل الشبح هذا ؟

نظرت اليها بملامح هادئة وهي تقول : كلا ، بل تعثرت وسقطت

ضحكت عليها بسخرية وهي تقول : اترين كيف ؟! اترين كم انتِ بلا قيمة حتى الارض لا ترغب بأن تجعلك تيسيرين عليها !

انحنت وتركت والدتها لتعود الى غرفتها وتختبئ بدموع الحرقة بين الظلام الذي يشعرها بالامان اكثر من غيره من الاماكن

حتى كازو الذي وعدها بالحماية لم يعد ليراها على الاطلاق !

انكسرت شوكتها وضاق ذرعها بالحياة ، تشعر بانها لا شيء ! كل ما داخلها فراغ في فراغ ، لا حياة ولا شعلة حب داخلها ، مجرد جثة قد تم اعادة بعثها للحياة دون روح !

مجرد وعاء يبحث بلهفة عن تلك الروح الهائمة والضائعة في المجهول

حتى ان عينيها لم تعودا تدلان على كونها حية ، من يراها يظنها دمية قد نسيت في تلك الغرفة حتى تراكم الغبار عليها ، مجرد دمية خاوية فارغة لا قيمة لها للإنسان !

فكيف يعيش من لا قيمة له ؟ فكيف يعيش من هو خاوي الوصال ؟

كيف يمكن ان تموت الدمية وهي ميتة اصلاً ؟ كيف تبحث عن روحها الضائعة وهي هائمة في المجهول المظلم الرطب ؟

كلها اسئلة قد تزاحمت في عقلها واجبرتها على ان تعوم وسط مياه الصحراء القاحلة في عالمها الرمادي المحض

الذي لا يتخلله حتى ضوء الحياة المشرق ، بل فقط تسرق منه شعلته الزيتية الخافتة التي ستطفأ في أي لحظة

انها تشعر به ينمو داخلها ! ظلام وحقد وغضب وكره ! الم ومعاناة ولعن وترهيب !

كله ينمو داخلها كجنين في بطن امه ، تشعر به يتغذى على معاناتها ! تشعر به يمتص كل قطرة من حياتها ، لم يبقى الا ان تسلمه زمام امورها كلها وينتهي دورها في هذه المسرحية الشيكيسبيرية القصيرة !

فهذا العالم البارد لا يستحق القتال لاجله في نظرها ، انه مجرد مكان وجد كي يستحقر فيه الضعفاء ، مكان وجد كي يطغى الفساد فيه ويختفي الامل خائفاً بين الازقة الضحلة المظلمة العفنة !

ابتسمت باستحقار لهذا العالم ، ابتسمت لانها تعلم بأن النهاية قريبة ، هذا العذاب الابدي سوف ينتهي بأن تجر هي بسلاسل سوداء الى الجحيم وتلقى فيها الى السرمدية والى ابد الابدين !

غفت عيناها ، غفت عيناها وسط الظلمة المطبقة ، غفت وهي تتمنى لو ان ملك الموت يسحب روحها بأكبر مقدار ممكن من الالم ، لعلها بهذا تلعن العالم لعنة تطبق عليه وتجعله سيان منسياً !

مر يومان وهي نائمة من ارهاقها واليوم هو يوم عيد ميلادها حيث اكملت الرابعة من عمرها ، حتى تاريخ ميلادها مميز فهي قد ولدت في

اليوم الرابع من ابريل الذي يصادف الشهر الرابع كذلك

4/4 هذا هو تاريخ ميلادها التي تلعنه باستمرار في قرارة نفسها الدفينة وسط دمائها السحيقة والدافئة

فتحت عينيها وسط ابتسامة والدتها الخبيثة التي ارست الرعب والقلق في قلبها المثقل والمتعب من الهموم والاوجاع

جرتها امها من شعرها وسحبتها على تلك الدرجات الطويلة حيث تضاعف الالم اكثر واكثر حتى القتها على الجدار كي تشعر بتحطم ظهرها تماماً !

وقفت بصعوبة وهي تشعر بيد امها تصفعها بقوة كبيرة جداً ! تورم خدها واحمر بسبب تجمع الدم فيه

ضحكت مارينا بهستيرية شديدة وهي تقول : اليوم سأنهي فيه كل شيء كما بدأته ! اليوم سوف اسلب حياتك الحقيرة والرخيصة !

ارتجفت آيـآمي بقوة وهي تضع يديها على رأسها من الرعب الذي دب فيها ، اخرجت مارينا سيفاً طويلاً حيث استلته من غمده وقد كان ذهبياً محفور عليه ختم ساتان الخاص

استدارت وعيناها تلمعان بشر لا مثيل له حيث لوحت به كي تجرح آيـآمي في كتفها جرحاً عميقاً وهي تقول بابتسامة : اهربي قليلاً ! لن يكون الامر ممتعاً دون ذلك !

وقفت آيـآمي واخذت تركض وتركض في انحاء القصر ومارينا تسير ببطء والسيف يخدش الارض مسبباً صوتاً مخيفاً وهازاً للكيان !

حاولت آيـآمي ان تفتح كل الابواب الا انها مغلقة باحكام شديد

سمعت صوت مارينا وهي تقول : لا تحاولي يا صغيرتي فقد اغلقت كل الابواب بإحكام شديد حتى لا تهربي يا فريستي العزيزة !

وصلت الى غرفة المعيشة الواسعة ! اخذت تنظر في الارجاء إلا ان لا مكان للهرب بعد الان ، تعالت ضحكات مارينا وهي تقول : قبل اربع سنوات في هذا اليوم ! كنت فرحة اشد الفرح بقدومك ! واليوم سوف افرح اشد الفرح بفراقك يا حبيبتي الغالية

شعرت بتلك اللكمة التي دفعتها الى الجدار والصقتها به ! سعلت بقوة كبيرة وهي ترى نهايتها المحدقة امامها ، امسكتها مارينا من رقبتها واخذت تضغط عليها بقوة كبيرة حتى رفعتها والصقتها تماما بالجدار وهي تحرك سيفها لتستعد لقتلها

ابتسمت آيـآمي براحة وهي تقول بصوت ضعيف : شكراً لك امي ، انا مرتاحة الان !

اتسعت حدقتا مارينا على اوجهما لترتجف بقوة هتسيرية وهي تسمع عبارات ابنتها

ظهرت ملامح الارتعاب على وجهها ليسقط السيف وتترك آيـآمي تسقط وهي تتراجع غير مصدقة ما كانت تفعله طوال هذا الوقت !

اخذت تقول بانكار : مـ .. مالذي كنــ ... كنت افعله ؟ عذبت ابنتي ! وقتلتها مئات المرات وانا الان كنت على وشك ان اقتلها نهائياً !

جائها الم رأسها الحاد فأخذت تصرخ بقوة من الالم الذي طغى على رأسها وهي تتأوه بشدة وتنتفض منه

قلقت آيـآمي على والدتها فصرخت بقلق : امي !

صرخت مارينا بحدة : لا تقتربي آيـآمي ! انا لستُ انا !اياكِ ! آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه

توقفت مارينا عن الصراخ وهي مستندة على ركبتيها في الجلوس ورأسها مرفوع الى اعلى وشعرها الاسود الطويل قد غطى على ملامحها فلم تفقه آيـآمي اليها بعد!

ابتسمت بشر مرة اخرة وهي تصرخ : امزح فقط !

ثم لمعت عينها بلون احمر وعينها الاخرى يغطيها الشعر وهي تقول : دعينا نكمل لعبة الصياد والفريسة

وقفت مارينا لتنقض على آيـآمي فأغمضت الاخيرة عينيها بفزع ، الا ان لا شيء حدث على الاطلاق !

تعجبت ففتحت عينيها وكانت صدمتها ! فقد كان كازو ممسكاً بمارينا التي تقاوم للإفلات

التفتت اليه وهي تصرخ : اللعنة عليك كازو ! اتركني ، هيا اتركني !

نظر اليها بأسى وحسرة وهو يقول في نفسه : لقد تأخرت كثيراً ! لا يمكن انقاذها على الاطلاق ! فقد استولت تلك الروح السوداء عليها تماماً وغيرتها الى اسوء كوابيسها ! لا حل آخر غير ...

ضربته بقوة على صدره بكوع يدها وابتعدت عنه ليسعل بقوة ويقول : لعينة !

ابتسمت وهي تستهزأ به ، لم يهتم فنظر الى آيـآمي التي كان فزعها اقل مشاكلها حالياً اهمية !

قالت مارينا بهدوء وخبث : كازو لا توقفني ! انت تكره البشر اليس كذلك ؟! دعني اقتل هذه البشرية وننهي الموضوع ! انها لا تستحق الحياة ! انها لا تستحق ان تتنفس او ان ترى ! دعني اقتلع مقلتي عينيها ومن ثم اقطع لسانها واقتلها بعدها ! سوف يكون منظراً بديعاً لك ولي !

اتسعت حدقتا عينيه بصدمة فآخر ما توقعه ان تقول مارينا مثل هذا الكلام !

صرخ بحدة : مارينا هذه ليست انتِ ! هذه الفتاة هي ابنتك التي تحبينها اكثر من أي شخص ! لا تتركي هذه الروح السوداء تسيطر عليكِ ! انا احترمك ايتها الخرقاء ولا اريد ان اقتلك !

نظرت اليه بازدراء شديد وقالت : كلا انت لا تستحق هذا ، وهذه الفتاة ليست ابنتي فقد تبرأت منها منذ زمن !

وفي لمحة خاطفة استدارت كي تقتل آيـآمي الا ان كازو كان اسرع منها فأمسكها من رقبتها بقوة كبيرة ورفعها في الهواء ، عرفت مارينا ان هذه هي نهايتها المحتومة فابتسمت باحتقار لكل شيء في هذا العالم ونظرت الى آيـآمي وقالت

: انتِ ضعيفة حقيرة مستهجنة ! لا تحتاجين الى الحياة ، انتِ وعاء فارغ كالدمى تماما ! فالتكرهي وتحقدي واياكِ ان تتمسكي بالحياة ! فالتبحثي عن موتكِ بيديكِ وحاولي الانتحار ! اكرهي نفسك ! هذا العالم ! وانا ! بل كل شيء ! واعلمي انه مهما حاولتي الفرار فأن نفسك الهجينة القذرة سوف تمنعك من ان تكوني حرة طليقة ، اتمنى لو اني لم الدكِ لكان الامر راحة لي ولك ! فالتختفي ، اركضي واختفي في الظلمة ايها الروح القذرة بلا مأوى !

توقف الزمن وخفتت الوان الحياة وانتهت فترة اخرى من فترة حياة انسان

دقت الساعات في ارجاء المستعمرات ، بكت السماء دموعها الحمراء بحسرة ، وابتلت الارض لتعلن عن ولادة حقد جديد مملوء بالكراهية واللعن لها !

حين قام كازو بأختراق صدر مارينا بيده واطبق على قلبها الميت وانتشله خارج جسدها بيديه الدمويتين ! امام ناظري آيـآمي تهاوى جسد مارينا الدامي في الهواء حتى ارتطم بالارض واصدر صوتاً يشهد على رعب مشهد ماتت فيه الام امام ناظري طفلتها !

القى كازو بقلب مارينا على الارض ليدوسه برجله ويحوله الى نبع دماء نقي

عينا آيـآمي كانتا تهتزان برعب وخوف مما حدث الان ! فمهما فعلت فهي امها وتحبها فوق كل شيء !

اقترب كازو منها وعانقها بقوة ودموعه تنهمر على وجهه الذي لم تبان ملامحه بسبب شعره الطويل الذي غطاها

اخذ يعتذر ويعتذر ويعتذر ! لم يكن هناك حل ! فأن لم يقتلها فأن آيـآمي ستموت ! ومارينا سوف تبقى في عذابها بسبب تلك الروح السوداء التي يستحيل اخراجها من جسد من تستحوذ عليه !

ضربها بقوة على رقبتها ليغشى عليها وتعمى الرؤية امامها ، وضع جسدها على احدى الارائك وثم تركها وذهب ! عليه ان يخبر والده بكل شيء قبل ان يجلبها اليه فهو يعرف ما سيفعله بهم جميعاً ان عرف بموت مارينا !

بعد عدة ساعات استيقظت آيـآمي بلا وعي وبلا روح وبلا حياة وبلا ايمان ! اعتدلت في جلوسها واخذت تنظر الى جسد والدتها الملقى على الارض والى قلبها المهشم الذي ينزف الى الان !

شاهدت الدم يسيل عائداً الى جسد مارينا ! فأدركت بأنها لم تمت لان تلك الروح تحاول اعادة احيائها مجدداً !

وقفت آيـآمي بوجه خالِ من التعابير واتجهت ناحية المطبخ حيث اخذت مجموعة من اعواد الثقاب واتجهت ناحية غرفة المعيشة مجدداً !

اشعلت اعواداً كثيرة والقتها على الارض ليبدأ القصر كله بالاشتعال وتنتشر فيه النيران وحرارتها المذيبة للاجساد

خرجت آيـآمي الى الخارج واخذت تراقب السنة النار تلتهم ذلك القصر الضخم حيث كانت صورته مرعبة بسبب تجمع الغيوم السوداء في السماء وقد اظلمت السماء تماماً تاركة ذلك القصر كشمس مشتلعة تذيب كل ما حولها من كائنات !

خطف ناظريها جثة والدتها الواقفة وهي تبتسم بشر مطلق حيث اخذت عيناها تبكي دماً اسوداً وتلك الفتحة التي في صدرها لم تكن الا مرتعاً للنيران كي تلتهما للابد

اخذ جسدها يحترق ويحترق والنيران تلتهمه بهدوء لتنشر المها في عيني آيـآمي التي لم تتغير ملامحها الباردة !

حتى احترق جسد مارينا تماماً وتحول الى رماد ، لتبدأ الامطار بالهطول بشكل غزير جداً حتى اطفئت نيران ذلك القصر الذي تفحم للسواد وبلل تلك الطفلة التي لم ترى من بقايا امها الا ذلك السوار الذهبي اللامع !

سقطت على ركبتيها وبدأت تصرخ بهستيرية كبيرة ودموعها تنهمر بغزارة اكبر من غزارة المطر نفسه !

صراخها كان مدوياً كسر حاجز صمت النائمين في تلك الليلة المشئومة وحطم قلوباً اعتقدت بأن الالم انتهى منذ قرون

صرخت وصرخت وصرخت حتى تقطعت حبالها الصوتية من قوة الصراخ المدوي الذي لم يخرج حتى ربع المها المختزن في قلبها

يتبعه ذل لن ينتهي ونيران حقد لن تنطفئ ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق