الخميس، 17 يوليو 2014

البـــــآرت (الم قد طواه النسيان ii !) الثامن والعشرون

نحو الكذب يجر النسيان

ونحو محو ما بقى من خير يقاد

الى من تعجب لوعة الانتقام البارد

والى من لم ينم الليل الطويل

قد تتدهور احوال هذا العالم بعد حين

وقد يقتضي العالم الدمار ان اراد

فشعلة الحياة الخافتة لم تعد تهم الان

فرغم كل الشيء هذا العالم لم يخلق لان يكون ابدياً ّ

قد تصبو الى ما هو اكبر مما تريد

وقد تعتقد بأن كل شيء جميل

الا ان ما اختفى بين سطور افعالك كان ... الخوف ذاته

لاتحاول ان تفسر ما قمت به ، لا تحاول ان تكون جيداً

فالان هو الوقت الذي تزال فيه الاقنعة

الوقت الذي تنجلي في الحقائق

الوقت الذي انتظرته منذ سنوات

الحقيقة المختفية وراء الستار سوف تظهر الان

الواقع المرير سوف يتذكرني وسوف يقتلني

لا داعي للشفقة فقد انتهى النزال المرير

لا داعي للحياة فقد فقدت ما اريد

فالتتركني هنا على الارض المثلجة بدم وحيد

واكتم صرخاتي بشهقة واحدة من سعير

لا تحاول ان تتذكرني مهما ابيت

فأنا في النهاية وحش مستديم







انتهى الطبيب من الفحص وخرج الى ساتان القلق بابتسامة شروحة

اقترب ساتان منه وقال : مالامر ؟ ما بها ؟ هل هي بخير ؟

اتسعت ابتسامة الطبيب ليقول بهدوء : لاتقلق ساتان – ساما ، لدي خبر مفرح لك !

تعجب ساتان وقال : ماذا ؟

قال الطبيب بحماس : انها حامل !

اضطراب مشاعر ، عدم القدرة على التفسير ، تسارع في نبض القلب ! هذا ما كان يشعر به ساتان في تلك اللحظة عندما اتسعت حدقتا عينيه بشدة كادت تقتلعهما من حجرهما

ليتجمد وجهه بعد فترة ويعلو البرود عليه بشدة وكأنه ينوي ان يرتكب مجزرة جديدة في حق شخص ما !

ترك الطبيب وحده ليمشي بخطوات ثقيلة نحو الغرفة ونية مظلمة تشع من بين وجدانه البارد

فتح الباب بعد برهة كي ينظر الى مارينا التي كانت جالسة على سريرها وهي تضع يدها على بطنها وهي متربعة وتبتسم بخجل وسعادة كبيرين

دخل ثم اغلق الباب من جديد ، التفتت اليه بوجه بشوش وفرح سرعان ما تغير الى القلق والخوف من ملامح وجهه الباردة التي تجعل الدم يتخثر في الشرايين من الرعب الذي يدسه فيها

شعرت بالقلق الشديد يكتسح اوصالها فهو قد يعتبر حمل بشرية منه امراً مشيناً ، وقفت باستقامة على الارض وهي تنظر اليه بترجي ، وكأنها تطلب منه ان يبقي على هذا الطفل الذي بدأ تكوينه الان داخلها

تقدمت منه قليلاً ليتقدم هو منها كذلك ، نظر اليها فترة من الزمن بوجهه البارد فعلى ما يبدو وكأنه يفكر بأمر ما لم يفقه اليه احد على الاطلاق !

في لحظة خاطفة استطاع ان يجرها بقوة الى حضنه ويدفن رأسها فيه وهو يدفن رأسه في شعرها الفحمي الجميل

: فتاة

تعجبت مارينا مما قاله ولكنها لم تنبس ببنت شفة حتى اكمل هو بابتسامة عذبة جعلت قلبها يقفز من مكانه : كم اتمنى ان تكون فتاةً

ظهرت ابتسامة مارينا واتسعت تدريجياً وهي تسمع ما قاله للتو ، عانقته بقوة لتقول : تريد الاحتفاظ به ؟

ابتسم واغمض عينيه وهو يضع يده على بطنها ليقول بهدوء وعذوبة : وكيف لا اريد طفلي الذي يقبع في احشاء محبوبتي واهم ما لدي ؟!

ابتسمت مارينا بخجل لتقترب منه وتطبع قبلة حارة على شفاهه ويقوم هو بتقريبها منه كذلك

ابتعد بعد فترة وهو ينظر الى بطنها بسعادة كبيرة ، نظرت اليه مارينا بخبث وهي تقول : مالذي ستفعله ان كان فتى ؟

زمّ ساتان على شفاهه بقوة كبيرة ونفخ خديه بطفولية شديدة ليقول : ساتان سوف يدمر عالم الشياطين اذا

ضحكت بخفة كي يبتسم هو كذلك بهدوء ثم يقول لها : عليكِ ان تنتبهي لنفسك جيداً يا عزيزتي ، مادمتِ حاملاً الان معناه انك تحملين حياتين داخلك وليست حياتك فقط

ضمت نفسها بيديها عند بطنها وقالت بهدوء وابتسامة بديعة : اعلم ذلك وسوف تكون ابنتنا رائعة مثلك تماماً

ابتسم ثم قبلها على جبهتها وتركها قليلاً كي ترتاح

بعد مدة انتشر خبر حمل مارينا وأقيمت الولائم والاحتفالات بهذه المناسبة الرائعة التي ابتهج عالم الشياطين لها

بالطبع كان هناك فئة معارضة لعلاقة بين بشري وشيطان الا انهم لم يستطيعوا ان يتكلموا بهذا الخصوص لان ساتان متورط في هذه المسألة

كان جالساً على احد الكراسي وهو يهز قدمه بغضب ويضرب الارض بها حتى حطمها تماماً بضربة ساحقة

وقف وهو يخلل اصابعه بين خصل شعره الارجواني الجميل وهو يفكر بأمر ما ، زفر بحدة ليقول بعدها : لا اصدق هذا ! سوف يكون لي شقيق او شقيقة نصف بشري ! سوف اصاب بالجنون وسوف اقتل نفسي

: كالعادة انت انتقادي يا رقم واحد البتار

استدار ليصرخ بحدة : الم اقل لكِ ان لا تناديني بهذا اللقب السخيف ؟

كانت مارينا واقفة وهي تنظر الى كازو بابتسامة ساخرة تعلو وجهها ، وقد بان حملها عليها ، فقد مرت الان خمس اشهر تقريباً وكازو لم يستطع ان ينام للحظة بسبب هذا الامر الذي جعله يرى الكوابيس في المنام

نظرت اليه بابتسامة فائقة السخرية لتقول : هذا اللقب يناسبك يا صغيري، لا تحزن لهذا كازو – شان

احاطت بجسده هالة حمراء من الغضب وجر مارينا من ملابسها ناحيته وهو ينظر اليها بحقد ، كانت تحاول ان تكتم ضحكتها عليه ولكن دون جدوى

فقد انفجرت بالضحك الهستيري على ملامحه الحاقدة تلك لتقول : يالك من مسكين ! ان اصبت بداء الجنون والسفاهة فسوف اوصي لك عند صديقتي الحميمة تسونادي فهي تستطيع علاج كل الحالات المستعصية

زمّ كازو على شفاهه ليقول : اصمتِ يا امرأة ، لقد ضقت درعاً بسخريتك مني !

استقامت في وقوفها لتبتسم بهدوء وتقول : لا تمثل هذا امامي كازو ! اعلم بأنك سعيد لهذا في اعماقك

اتسعت عينا كازو لبرهة ثم ابتسم بسخرية ليقول : ولما سأفرح لاني سأحصل على شقيق نصف بشري ؟ انا اكره البشر ! بل امقتهم واريد ان اقتلهم جميعاً

تحولت ملامحها للجمود فاقتربت منه وهي تضع يدها على صدره وتقول ببرود جعله قلقلاً : هل تشعر بهذا ؟ انه قلبك الذي يجعل الحياة تسري في جسدك ! مهما حاولت ان تسلخ لباس المشاعر عن نفسك ومهما حاولت ان تقنع نفسك بأمر ما فالقلب له رأي وعقلك له رأسي ، معركة محتدمة تجري الان في نفسك وانت تحاول ان تقنعها بأنك لست سعيداً لانك ستحصل على فرصة تجعلك مخلوقاً ذي مشاعر مرة الاخرى

صمت قليلاً وحدقتا عينيه لم تكفا عن الاتساع كلما استرسلت في حديثها هذا ، امسك بيدها وأبعدها عنه ثم استدار واخذ يسير في طريقه وهو يفكر بما قالته ، فهي محقة ، لانه يشعر بالسعادة لانه سيحضى بأخ جديد !

عادت هي الى غرفتها كي ترتاح والا عاتبها ساتان اشد العتاب ، ولا احد يريد ان يعاتب من قبل ساتان نفسه على اية حال !

مرت الى الان ثمانية اشهر تامة ، حيث اصبحت مارينا تشعر بحضور طفلها القوي بشكل واضح ومباشر حتى

استطاعت ان تشعر بأولى حركاته داخلها منذ قرابة الثلاثة اشهر حينها ابتسم ساتان ابتسامة كادت ان تفقدها ما بقي من عقلها في سبيل حبها له

والان هي تشعر بالقوة المهولة التي يمتلكها هذا الطفل ، حيث تنبأ احد الشياطين بأنه سيكون ذو قوة غير معقولة شبيه بوالده تماماً ، وهنا شعر ساتان بسعادة اكبر لان لا احد من اولاده السبعة ورث قوته على الاطلاق وهنا عرف ان احدهم سيرث قوته اخيرا!

كان جالساً يسير في حديقة منزله الكبيرة وهو يفكر بأمر ما لم يفقه اليه احد بعد ، قاطعه ذلك الصوت الجوهري الذي لم يسمعه منذ مدة طويلة

: هه كما ارى انت لا تزال نكدياً ومحباً للعزلة ايها الوسيم

التفت ساتان الى مصدر الصوت بابتسامة هادئة ليقول : وانت لا تزال مزعجاً كالعادة .. ايها التنين الوسيم !

ابتسم وقال : سمعت بأنك حصلت على اسم جديد

اغمض ساتان عينيه مبتسماً ليقول : اجل ... آلون

اتسعت ابتسامة وقال : يبدو وكأن تلك الفتاة قد اثرت فيك حقاً يا رجل

نظر اليه بقليل من الانزعاج ليقول: ان لها اسماً ، مارينا ، اوتشيها مارينا

اشاح بوجهه بغرور ليقول : انا - ساما لن انطق بأسم بشري ايها الاحمق فالتتذكر هذا

ضحك ساتان بخفة وقال : كما هو متوقع منك ، مغرور ومتكبر وواثق لدرجة الموت وفوق كل هذا عديم الفكاهة

ظهر عرق الغضب على وجهه ليقول بصراخ : ما هذه الاهانة ؟ انت تجاهر بالخيانة العظمى ايها المعتوه ! كيف تحطم مواهبي المسرحية والفنية ! لن اسامحك آلون !

حرك ساتان رأسه بغرور ليقول : الخطأ خطأك لانك لست موهوباً ووسيماً مثلي !

فتح فمه على آخره ، لانه ادرك بأن ساتان يقلده الان وهو يستهزئ به ، لم يرد ان يبدأ حرباً جديدة فصمت وهو يزمّ على شفاهه بقهر و غضب

مرت فترة ليقول ساتان بجدية : انت لم تأتِ الى هنا من اجل ان تهنئني بسبب حصولي على اسم جديد اليس كذلك ؟

ضاقت عيناه قليلاً حتى تنهد وقال بهدوء : اسمع جيداً ساتان ، آلون لا يهم ، انتَ تعرف بأن خبر حمل تلك المرأة قد شاع وعلم الجميع بأن وريثك الاقوى قادم لا محال ! وان تلك المرأة اكثر عرضة للخطر بسبب هذا ، وهذا يقتضي حماية مشددة وخاصة ، على اية حال نحن اصدقاء مقربون و انا لا ارغب بأن لا تعلم عن اولئك الجماعة من الشياطين الذين يعتبرون هذا اهانة عظمى ان تحمل بشرية من ساتان نفسه

كان هادئاً يستمع الى كلمات التنين الواقف امامه بثبات ، زمّ على شفاهه ثم ابتسم واخذ يضحك بتدرج حتى علا صوت ضحكه الهستيري في الارجاء كي يقول بسخرية محضة وقد تحولت عيناه للاحمر

: يعتقدون بأني لا اعلم بشانهم ؟ هل هم يمزحون ؟ ان لمسوا ربع شعرة من مارينا او من طفلي فسوف ادمر هذا العالم عن بكرة ابيه ! وانا على اتم استعداد ان افعل هذا الان وهنا

ابتسم بقوة عندما سمع هذا الكلام وقال : كنت اعلم بأنه لا داعي كي اقلق عليك او عليهما ، على اية حال اعلم بأنك قوي وتستطيع ان تفعل ما تريد ولكن تريث قليلاً يا رجل

عاد ساتان هادئاً وهو يبتسم بخبث ورحل ذلك التنين عن المكان مخلفاً وراءه رياحاً عاتية لو هبت في عالم البشر لانتزعته عن بكرة ابيه

مرت الايام بلا احداث مهمة تذكر ، حيث كان الجميع مركزاً وبشكل كبير على راحة مارينا فقط والتي كانت قلقة من جهة اخرى لسبب لا تعرفه

كانت تسير في احدى الاروقة متجهة الى مكتبة ساتان كي تأخذ بعض الكتب لترفه عن نفسها قليلاً ، فهي قد كانت محاصرة من جميع الجهات بسبب حملها

دخلت من الباب الخشبي الكبير واغلقته لتجد دانتاليون واقفاً وهو يبحث عن كتاب ما على ما يبدو

ابتسمت بهدوء واقتربت منه فانتبه عليها وابتسم لها كذلك وقال : مارينا ، لم يبقى الكثير على موعد ولادتك انتبهي جيداً ولا تجهدي نفسك

نفخت خديها بطفولية لتقول له بانزعاج : انتبهي انتبهي انتبهي ... لست طفلة دان ، اعرف مصلحتي

ضحك عليها وقال : لكنك تجهدين نفسك ، انت حركية جداً كالاطفال

وضعت يديها على بطنها المنتفخ لتقول بثقة : ستكون ابنتي مثلي وستندمون جميعاً

تعجب دانتاليون من هذا ليقول : انتِ واثقة بكونها فتاة

اتسعت ابتسامتها المشرقة لتقول بحب : اجل انا واثقة من هذا ، يمكنك ان تقول احساس الامومة او شيء كهذا

ابتسم بهدوء وهو يحدق طويلاً في بطنها ليقول : واخيراً ستكون لي اخت صغيرة ، بدل جيش القردة اولئك

ضحك عليه بخفة وقالت : انتبه حتى لا يسمعك كازو ! والا انتهى بك الامر ميتاً

تخيل دانتاليون ما يمكن ان يحدث بسبب كازو ، فشعر بقشعريرة قوية تسري في عروقه

شعرت مارينا بألم غريب في بطنها ، وبدأت التقلصات المؤلمة بالظهور ، استندت على ركبتيها وهي تتأوه بقوة من الالم !

فزع دانتاليون بقوة وانحنى اليها وقال : مالامر مارينا ؟

لم تستطع ان تجيبه بسبب الالام التي توالت على جسدها فأخذت تصرخ بقوة كبيرة جراء هذا ، شعرت وكأن كل خليه وكل عضو داخلها يتمزق ، وتلك الحرارة التي اكتسحت جسدها كالنار المضرمة في جسد انسان حي

والم المفاصل والم الرأس الذي لم يرحمها لم يزد الوضع الا سوءاً اكثر من السابق بكثير

توتر دانتاليون ولم يعرف مالذي يجب عليه ان يفعله كي يساعدها ، فقام بحملها واخذها الى غرفتها بسرعة حتى ينادي الطبيب

انتشر خبر موعد ولادتها في القصر سريعاً فأسرع ساتان بسرعة خارقة اليها في غرفتها ووقف عند طرف سريرها وهو يشاهدها تتألم ! كانت هذه المرة الاولى التي يرى فيها امرأة تلد ! فهو لم يحضر ولادات ابنائه السبعة ابداً بسبب انشغاله بالحروب !

امسك بيدها واخذ يقول بقلق : مارينا ! تماسكي ارجوكِ

فتحت مارينا عينيها ووجها كان متعرقاً وشاحباً جداً لتبتسم وتقول بألم : لا تقلق سأكون بخير ، ان ابنتنا قوية وعنيدة جداً على ما يبدو

ابتسم رغم قلقه ، انه يشعر بالالم بمجرد النظر اليها في هذه الحالة فأذاً كيف هي ؟

اخذت التقلصات تعود اليها مجدداً لتصرخ من الالم الذي لا يرحم على الطلاق ، وكأن ملايين الابر السامة تخترق جلدها حتى تصل الى قلبها وتمنعه من النبض تماماً

فتح الباب على مصراعيه لتدخل تلك الطبيبة الشيطانية الى الداخل وتبدأ بالتحضيرات اللازمة

طلبت من الجميع الخروج الا ساتان الذي رفض ذلك رفضاً تاماً الا انها اجبرته على الخروج مكرها

كان يسير في حلقات غير منتهية وهو يسمع صوت مارينا الصارخ و المتألم بشدة ، اراد فقط ان يكون بجانبها حتى يخفف عنها هذا الالم القاتل

بعد فترة ، اطبق الصمت على جنبات القصر المهول ، اطبق الصمت تماماً حتى لم يعرف ان كان هذا المكان مقبرة للاموات او قصراً للاشباح

كان الجميع على اعصابهم ينتظرون ، كان الجميع بخوف يتنفسون

لم يكن هناك شيء سيريحهم غير سماع صوت واحد ينبئ بما حدث ، الا ان ما هز اركان ذلك القصر وحرك سواعده الميتة

كانت صرخة ذلك الطفل ، صراخ قد هز موازين حياتهم وغيرها للابد ، صراخ اتى بعد طول انتظار

دفع ساتان الباب حتى انبلج على مصراعيه ودخل الى تلك الغرفة الهائلة لينظر الى محبوبته تمسك بطفلتهما التي انتظروها لفترة ليست بالقصيرة ابداً !

اقترب منا فنظر اليها بين يدي امها ، فتاة كبيرة الوزن ذات وجه ملائكي وبياض ناصع ، ووجنتان زهريتان وقد اغمضت عينيها الزرقاوات كوالدها كي ترتاح قليلاً فقد اتعبت نفسها بذلك الصراخ الحاد

شعرها كان خفيفاً واشقراَ فهي قد ورثت صفات والدها على ما يبدو رغم ان ملامحها كانت اقرب الى امها المرهقة

ابتسم ساتان ابتسامة لم يستطع احد ان ينزع عينيه عنها ، فقد كانت تلك المرة الاولى والاخيرة التي تشاهد ابتسامة بهذا الجمال البديع في كل العالم

امسك بطفلته وحملها بين يديه وهو يتحسس يديها الصغيرتين اللتين امسكتا بأصبعه بقوة كبيرة وتمسكتا به ، شعر وكأنها فقط لا تريد ان تشعر بالضياع رغم صغر سنها ، شعر وكأنها تفهم مشاعره التي لم يشعر بمثلها من قبل

اقترب منها وطبع قبلة حارة على خديها المتوردين ثم اقترب من مارينا وقبل رأسها وهو يربت عليها بهدوء ويقول : مارينا ! شكراً لك

ابتسمت مارينا وقالت : انها قوية مثلك كادت ان تقتلني

ابتسم هو كذلك ليقول : يالها من مشاكسة صغيرة ، سأعاقبها لاحقاً

اغمضت مارينا عينيها وانتقلت الى عالم الاحلام الواسع

اخذت الطبيبة الطفلة من بين يدي ساتان وقالت له : مالذي ستسميها اياه ؟

ابتسم هو وقال : لقد اتفقت مع مارينا من قبل ! ان كانت فتاةً فهي آيـآمي

اقترب منها وقال بحنان : آيـآمي ، انها اوتشيها آيـآمي !

ابتسم الجميع حتى كازو الذي كان يراقب الامر كله من بعيد ، شعر بنوع من الراحة لان الامر كله انتهى بقدوم هذه الطفلة التي ستغير حياتهم اما للأفضل واما للأسوأ

رغم انها نائمة الا ان خوفاً من المجهول قد طغى على كيانها المرهق ، رعب دفين في نفسها دفنته لتسعة اشهر وهي تحاول طرد تلك الهواجس التي لم ترحمها على الاطلاق !

في عالم الاحلام هذا او بالاصح في عالم الرؤية

كانت تسير في صحراء رمالها فضية شاحبة وسماؤها سوداء قاحلة والرياح الباردة فيها لم ترحمها من لسعها لعظامها المتهاوية

تسير وتسير وتسير الى مالا نهاية ، تشعر برئتيها تضيقان وبأقدامها تبتران من شدة البرد

ضمت نفسها بيديها وهي تحاول ان تدفأ نفسها من هذه الاجواء القارسة

توقفت عندما لمحت واحة ماء قريبة ، فأسرعت ناحيتها بسرعة رهيبة

حتى وصلت اليها واتسعت حدقتا عينيها دهشة من هذا المنظر المرعب

الجثث الممددة على اطراف الواحة والطافية على مياهها الحمراء القانية قد اصدرت رائحة الموت الباردة المرعبة والمقززة

من بينها كانت تلك الفتاة واقفة في وسط تلك الواحة وسط المياة الحمراء القانية وهي تحمل بيدها سيفاً اختفت ملامحه بسبب الدماء المضرجة عليه

التفتت تلك الفتاة الشقراء اليها وعيونها الحمراء اللامعة كادت ان تسحب روحها من جسدها وتذوقها لوعة الموت المرعبة

اهتزت قدماها بخوف من تلك الفتاة التي نزفت عيونها دماً اسود وراحت تبتسم بشر لم يكن له مثيل

اخذت الفتاة تسير تدريجياً من تلك المياه حتى خرجت منها وثوبها الابيض الناصع قد صبغ بالدم القرمزي الذي لم يكن له الا ان زادها رعباُ فوق ما عليه

اقتربت الفتاة من مارينا بنفس تلك الابتسامة وهي تميل رأسها قليلاً وهي تنظر اليها حتى قالت : انتِ واخيراً وصلتي الى هنا

تعجبت مارينا من هذا فهي لا تعرف هذه الفتاة مطلقاً ، اكملت الفتاة قائلة : علي ان اشكرك على ما جعلتني اصل له من الكمال

زاد تعجبها فحاولت ان تتكلم الا انها لم تستطع ، شعرت وكأن احداً قد انتزع حبالها الصوتية فلم يعد بأمكانها ان تتحرك

اتسعت ابتسامة تلك الفتاة اكثر وهي تراقبها محاولة التحدث لكن دون جدوى حتى اردفت الاولى : لا عليكِ لا داعِ للتحدث سوف اكشف عن ستار المكائد قريباً

ثم ضحكت بهستيرية شديدة وهي تصرخ : انا الظلام ! انا الشيطان ! انا كل ما تكرهونه في هذه الحياة ! انا من خلق كي يرمى بين براثن الذئاب ! اما من وجد كي يحمل اعباء المخطئين

وبحركة سريعة حركت تلك الفتاة سيفها واخترقت قلب مارينا ، اخذ الدم يسيل من فم مارينا المصدومة مما يحدث الان امامها ، اقتربت تلك الفتاة من اذنها وهمست : ادعى ... اوتشيها آيـآمي ! فهل عرفتني ؟

شهقت بقوة رغم ان لا صوت خرج من تلك الشهقة المفزوعة ، ارتعبت عيناها واختلطت ملامح وجهها بالرعب والخوف والدهشة حتى انتشلت آيـآمي السيف من قلب مارينا وابتعد عنها قليلاً

اقترب مرة اخرى لتدخل يدها في صدرها وتمسك بقلبها المتسارع بيدها وتقول : اتشعرين بيدي تطبق على قلبك الان ؟! بحركة واحدة استطيع ان انترعه واخذ الحياة بعيداً عن جسدك هذا يا امي

ارادت ان تصرخ ! ارادت ان تسألها عن السبب ، فهمت تلك الفتاة ما تريد والدتها ان تقوله فبدأت دموعها تسقط بقوة كالشلال وهي تبتسم بخبث قائلة : هذا كله لاني ولدت هجيناً ! هذا كله لاني احمل ظلاماً حاداً في داخلي لم يختم ولم يتم السيطرة عليه ، فقد غدوت وحشاً بلا مشاعر ، غدوت بشراً بلا قلب ، غدوت شيطاناً اسود حالك الملامح ناصع الخطايا

اختفت ابتسامة آيـآمي من على محياها وحل الوجه البارد عديم المشاعر بدله لتكمل : هذا ليس قناع الكذب ، هذا ليس مآل الحدث ، هذا ليس المستقبل الذي يجب ان تكوني فيه ، لذا ... وداعاً يا امي

اطبقت يديها على قلب والدتها لتخرجه من صدرها بحركة واحدة سريعة ، تهاوى جسد مارينا في الهواء بجانب آيـآمي حتى صدى صوت ارتطامه على الارض ، الا ان ملامحها لم تتغير ولم تحدث في قلبها شرخاً جديداً

استيقظت مفزوعة ، كانت تتنفس بسرعة جنونية وهستيرية ، عيناها متسعان على اخر اتساع لهما والفزع بادِ على وجهها بقوة ، تلتفت يميناً وشمالاً وهي تحاول ان تفسر ما رأته للتو من حلم مرعب ، كانت تتعرق بشدة وهي تضم نفسها بركبتيها وتنفسها لا يزال سريعاُ جداً

ترجلت من سريرها واخذت تسير ناحية فراش ابنتها الصغيرة ، الا ان انعكاسها على المرآة قد اخذ كل انتباهها ، فثوبها ملطخ بالدماء في جهة القلب ،ابعدت الثوب قليلاً ناحية صدرها واذا بها ترى اثر يد محروقة عليه ، فزعت اكثر عندما عرفت بأنها يد تلك الفتاة التي ادعت كونها ابنتها في الحلم

هرولت مسرعة الى طفلتها وحملتها بين يديها ووضعتها في حضنها وهي تشتم رائحتها الزكية ، شعرت بنوع من الراحة عندما شاهدت الانزعاج بادِ على وجه آيـآمي الصغيرة من حركة امها الكثيرة

اخذت نفساً عميقاً جداً ومن ثم اخرجته ببطء حتى عاد كل شيء الى طبيعته وقالت : هذا مجرد حلم ، لا معنى له

الا ان قلبها كان يرفض ما يقوله لها عقلها ، لم ترد ان تسبب هذه الهواجس لها رعباً مرة اخرى ، فهي قد اصبحت اماً ولا داعي لكل هذه الوساوس بسبب خوفها من هذه المرحلة الصعبة من الحياة

مرت عدة ايام وقد تجاهلت كل ما رأته في عقلها واحلامها ومضت في طريقها نحو كونها اماً جيدة ، يبدو وكأنها لن تعود الى عالم البشر ابداً , الامر الغريب ان هذا لم يؤرقها ابداً رغم كل شيء فهي سعيدة هنا بين ساتان وابنائه المزعجين

كان جالساً وهو يحمل آيـآمي بين ذراعيه ويلاعبها بأن وكزها في خدها وهي تحاول ان تمسك اصبعه

الجو من حوله كان يتلألأ بقوة كبيرة ووجنتاه متوردتان بقوة ، كانت مارينا غاضبة منه فهو لم يتركها منذ آيآم طويلة ولم يتركها تلمس ابنتها على الاطلاق فهو مستفرد بها يلاعبها ويبقيها بجانبه طوال الوقت

صرخت مارينا بغضب : آلون ! اريد ابنتي انا ايضاً انها ليست لك وحدك

زمّ على شفاهه بانزعاج وعلى الغضب وجهه ليقول : كلا انا لم اشبع منها الى الان

اقتربت منه وهي تحاول ان تأخذ آيـآمي من يديه الا انه تحرك بسرعة ولم تستطع هذا ، نظر اليها نظرة المنتصر على الوحش فخرج الدخان من رأسها من الغضب وهي تقول : اعد لي ابنتي ايها المحتكر السارق

اشاح ساتان وجهه بغرور وقال : كلا ، اريدها

ضربت مارينا وجهها بيديها وهي تقول : ارجوك دعني ألاعبها قليلاً

رأف ساتان بحال مارينا فسلمها آيـآمي التي كانت تبتسم مكرهاً

اخذت مارينا آيـآمي وذهب لتلاعبها وتطعمها كذلك ، اما ساتان فقد اعتلت وجه ملامح باردة وقلقة ، فهو فقد استشعر طاقة مظلمة بشدة قادمة من آيـآمي وقد يكون هذا بسبب جانبها الشيطاني الذي ورثته من والدها

اخذ يعض اظفره وهو يفكر بطريقة لقمع هذا الظلام داخلها ، فأن لم يفعل فهذا سيسبب لها الكثير من المآسي مستقبلاً

سمع صوت ارتطام الباب القوي بالجدار وسمع كذلك صوت لهاث حاد فالتفت الى مصدره ليرى كازو وهو يلهث بقوة ويحاول ان يتكلم

: والدي ! ان ذلك التنين ثائر بشكل لا يتصوره احد ، لقد دمر نصف المدينة الرئيسية وهو ينفث نيرانه السوداء التي احرقت كل شيء ، لا نعلم سبب فعله هذا ولكنه يبدو غاضباً

اتسعت حدقتا عيني ساتان فأسرع بالذهاب الى المدينة كي يرى ما يحصل فيها

وصل واذا بالمدينة قد تم تدميرها عن بكرة ابيها وتلك النيران السوداء مستعرة في كل مكان ، شعر بالغضب يتأجج في صدره حتى تحولت عيناه الى الاحمر اللامع وهو يصرخ : اظهر امامي ايها الحقير !

هبت تلك الرياح العاتية التي اقتلعت المنازل من اساساتها وجعلتها تطير في الجو امام ناظري ساتان الواقف بثبات

صرخ ذلك التنين بقوة وهو يقول : اللعنة عليكم جميعاً ! انتم ملعونون !

احاطت به نيران زرقاء عرف بأنها نيران ساتان ، واذا قام بخطو خطوة واحدة امامها فهو ميت لا محال !

نظر اليه بغضب مشتعل في عينيه وهو يقول : آلون ! انت خائن ! لم اعتقد بأنك ستخونني بتلك الطريقة

تعجب ساتان مما يقوله هذا التنين الهرم امامه فقال بصوت عالِ : مالذي تعنيه ؟

زمجر بقوة حتى سُمع صوت احتكاك اسنانه ببعضها البعض وهو يقول بانزعاج : ان تقتل جميع الوحوش التي ترافقني احتفالاً بمولد ابنتك ! ايها الحقير عديم الرحمة سوف اقتلك

اتسعت حدقتاه بقوة ، فهو لم يأمر بفعل هذا ولن يأمر ، صرخ بقوة : انا لم أأمر بهذا الفعل الشنيع

بسط جناحيه وهو يزمجر بغضب كبير ، ان استعمل قواه الان فسوف يدمر كل شيء وليس المدينة فقط ، هذا ما سيحدث ان استخدم ساتان قواه لاجل ايقاف هذا التنين !

لا يستطيع ان يستعمل قدراته في هذا المكان والا اختفى من خارطة الوجود لذا اكتفى بأن احاطه بنيرانه الزرقاء حتى لا يتحرك

حرك يديه قليلاً فظهرت سلاسل من الارض قامت بتثبيت ذلك التنين بقوة كبيرة وسحبته حتى جلعته ممداً على الارض

ثم فرقع بأصبعيه وظهر قفص كبير احاط به حتى يقمعه في الوقت الحالي ، فكر ساتان بما يجب فعله لايقاف هذا التنين ! خطرت بباله فكرة مزعجة قد كرهها بقوة الا انه مجبر عليها

رفع اصبعيه امامه ليظهر شيء يشبه المذبح امامه ونادى كازو وقال : كازو ! فلتجلب آيـآمي الى هنا في الحال

صدم كازو من هذا فقال بانكار : لاتقل بأنك تنوي ...

قاطعه بغضب وهو يقول : اجلبها بسرعة

انحنى كازو وذهب مسرعاً كي يجلب آيـآمي لوالده الغاضب ، اخذ ساتان يقول في نفسه : لا اريد فعل هذا ! ولكن لا احد من ابنائي يمكنه احتمال وجود هذا التنين داخله ! فهو قوي لدرجة لا يمكن تصديقها ! لذا لا حل آخر غير ان اقوم بختمه فيمن ورث قوتي كاملة ! ابنتي الوحيدة

اتى كازو برفقة مارينا وآيـآمي بعد ان اخبرها بكل شيء ، كانت مارينا غير موافقة على جعل ابنتها الصغيرة تحمل هذا العبئ مهما كان الامر مهماً ، ولكنها عندما رأت هذا الدمار والجثث المهملة على الارض ترددت في قرارها هذا

شعر ساتان بترددها فقال : لا تقلقي لن يؤثر هذا عليها سلباً ، فهي قوية وسيمكنها ان تتحمل هذا

هزت مارينا رأسها بالايجاب فأخذ ساتان آيـآمي منها وقد قبضت بيديها على قلبها وهي تشاهد ابنتها بهذه الحال

كان مقيداً بالسلاسل من جميع الجهات ، وهناك تلك السيوف التي ثبتت بها قدماه

اخذ ينظر الى ذلك الشخص بحقد وغضب وهو يصرخ : ايها الحقير ! انا ملك الظلام والتنانين ! انا اقوى المخلوقات في الوجود توقفني بهذه السلاسل الحقيرة ! فالتحررني وتقاتلني بعدل آلون !

اخذ يزمجر بغضب لا مثيل له ، وهو يصنع رياحاً عاتية اقتلعت الاشجار من جذورها

نظر الى تلك الطفلة الموضوعة على شيء يشبه المذبح لتتسع عيناه غضباً اكبر من سابقه ويصرخ :

ايــاك ايها التافه الحقير ! لن اسمح لك بختمي داخل هذه الضعيفة عديمة النفع ! وحتى ان فعلت فسوف اقطع اوصالها وأدوس عليها حتى تستوي بالأرض وتتلون بدمائها ! لن اختم ابداً ! اتسمعني؟! آلـــــــــــــــــون !

نظر اليه آلون بنظرة باردة جعلته يشتاط غضباً اكثر ، ليتحول بروده الى ابتسامة خبيثة وهو يقول : الى اللقاء يا صديقي القديم !

ليظهر ضوء ابيض غطى المنطقة كلها !

اختفى الضوء بعد برهة واختفى التنين الضخم كذلك معه ، نظر الجميع الى تلك الطفلة التي كانت تبكي بحرقة وتحرك قدميها بانزعاج كبير مما حدث الان

حملها ساتان بين يديه وهو يعانقها بقوة ويقول : انا آسف يا صغيرتي كنا مضطرين لفعل هذا

اقتربت مارينا واخذت آيـآمي من بين يدي ساتان وهي تقول : لا تقلقي ، كل شيء سيكون بخير

شعر بالضيق عندما شاهد الدموع وهي تتلألأ على وجهها الجميل وهي تحاول ان تهدأ ابنتها حتى لا تبكي اكثر مما هي عليه الان

عاد الجميع الى القصر وهم يشعرون بالضيق بالاخص ساتان الذي لم يرد ان يفعل امراً كهذا الا انه لم يستطع ان يمنع هذا من الحدوث

اسند رأسه على احد الجدران ثم قال : اللعنة عليك ايها التنين الهرم ! ما كان عليك ان تغضب بهذا الشكل

مرت بضعة ايام بعدها وقد كان كل شيء هادئاً وجميلاً وقد تناسى الجميع امر ختم التنين داخل آيـآمي الصغيرة

كانت مارينا جالسة مع آيـآمي وهي تلاعبها بسعادة بالغة وكان ساتان يراقبهما بابتسامة عذبة

وقعت عينا آيـآمي على لوحة معلقة وتتدلى منها قطعة جواهر زرقاء ولامعة

مدت يداها وهي تصدر صوتاً طفولياً معناه انها تريدها ، نظرت اليها مارينا بابتسامة وقالت : كلا يا عزيزتي لا يمكنك ان تحصلي عليها

بدت وكأنها ادركت انها لا يمكن تملكها لذا بدأت بالبكاء الحاد ، فضحكت مارينا عليها وقالت : يا الهي لقد فهمت هذا

اتسعت ابتسامة ساتان اكثر وهو يراقب مارينا تحاول ان تهدأ آيـآمي الباكية ، الا ان عيناه قد اتسعتا عندما شعر بموجة الطاقة المرعبة التي احاطت بآيـآمي فجأة ، ابتعدت مارينا مسرعة عنها وقد تحطمت الارض من تحتها وسببت تصدعاً قوياً في الجدار الصلب

وعلى جسدها احاطتها موجة سوداء ذات قوى غير طبيعية على الاطلاق ! شعرت مارينا بالرعب من هذا وحاولت ان تقترب منها الا ان ساتان منعها وهو يقول : لا تقتربي منها !

اقترب ساتان هو منها وامسكها ليشعر بتلك الصدمة التي ضربت خلايا جسده ، توقفت تلك الموجة وعاد الجو طبيعياً مع آيـآمي ومن حولها

عض ساتان على شفاهه حتى نزفت وهو يقول : كنت اعلم هذا !

تعجبت مارينا مما قاله لتقول : مالذي تعنيه ؟

نظر اليها بنظرات متحسره بقوة وهو يخشى ان يخبرها بما يحدث ، تنهد ثم قال بهدوء : السبب يرجع الى كونها نصف شيطان ونصف بشري ، نصفها الشيطاني هو الطاغي عليها وبما انها طفلة وتمتلك دمائي يعني ان بقائها هنا سوف يزيد قوتها عشرة اضعاف تقريباً ، وهي لن تستطيع ان تتحكم بها الان ، بل هذا مستحيل طبعاً !

قاطعته مارينا وهي تقول بألم : لذا يجب ان اذهب لعالم البشر حتى تقمع قوتها ؟!

اشاح ساتان بوجهه ليقول بحسرة : اجل هذا صحيح !

بدأت دموعها بالانهمار على وجهها وهي تشد على قبضتها وتقول : الا توجد طريقة لختم قوتها ؟

نظر ساتان اليها بألم وقال : كلا ! ان هذه التعاويذ قوية جداً على جسد طفلة وقد تقتلها

اقترب ساتان من مارينا وعانقها بقوة كبيرة وهو يقول : حتى ان ذهبتي فسوف آتي اليك يومياً كي اطئمن عليكِ وعليها ، رغم اني لا اريد هذا ولكن لهذا لمصلحتها الخاصة

عانقته هي كذلك وقالت : اعلم ذلك ، ولكني لا ارغب العودة الى ذلك العالم الموحش

دفن رأسها في حضنه وهو يستشعر المها ، نظر الى عيني آيـآمي الزرقاوات اللتان تحدقان فيهما بلمعة غريبة وكأنها تدرك بأنها ستكون سبباً في تفريق والديها عن بعضمها البعض !

قامت مارينا باعداد نفسها من اجل العودة الى عالم البشر الموحش في نظرها وهي تشعر بالحرقة لهذا ، تمنت في داخلها في هذه اللحظة لو انها لم تلد تلك الطفلة على الاطلاق لما حدث لها هذا ، ولما كان عليها ان تفترق عمن تحبه على الاطلاق

نظرت الى آيـآمي بنوع من الكره الضعيف وهي تحاول ان تطرده من قلبها ، فهي ابنتها في النهاية ولا يمكن ان تكرهها حقاً مهما حدث

حملتها بين ذراعيها وهي تحتضنها بحنان وتحاول اخفاء المها لفراقها هذا المكان الذي احبته اكثر من عالمها ذاك

كانت ايامي واضعة رأسها على صدر امها وهي تغمض عينيها كأي طفلة تشعر بحنان امها ، حتى شعرت باضطراب نبضها فدمعت عيناها الواسعتين وهي تبكي بصوت ضعيف

كانت تصرفاتها لا توحي بأنها طفلة في الاشهر من عمرها ،مسحت مارينا على رأسها بحنان وهي تغني لها

يا طيري الصغير اللطيف

لا تبكي في هذا السعير

لا تحاول ان تعيد اياماً ليست ببعيد

لا داعي للحزن الضعيف

فقلوبنا تنبض بالوعيد

لمن اراد حبنا ولم يترك لنا من جميل

يا ملاكي الصغير انت كنزي الثمين

لا داعي للبكاء فقلبي لك كبير

هدأت آيـآمي وهي تسمع صوت والدتها الحاني عليها ، ابتسمت مارينا بحنان وتراجعت عن كل فكرة فكرتها في كره ابنتها الصغيرة ، فمهما يحدث فهي كنزها الذي حصلت عليه من الشخص الذي تعشقه بجنون لا حدود له على الاطلاق !

انتهت من اعداد نفسها وخرجت الى البهو العظيم الذي تم اعداد البوابة فيه

كان الجميع متجمعين في البهو وهم ينظرون الى مارينا التي تحمل طفلتها ، كانت تحاول ان تكتم شهقتها التي تريد الخروج بقوة لا تستطيع منها

فهي لم تجد ساتان بينهم ، هو ليس هنا كي يودعها ، فهو الان في غرفته وحيداً متحسراً على ما سيؤول اليه الامر

وقف بهيبته المعهودة واتجه نحو البهو العظيم ، وقف خلف مارينا التي لم تشعر بحضوره على الاطلاق

كان البهو خالياً فقد ودعها الجميع وذهبوا في طريقهم

عانقها بقوة وسط دهشتها ممن عانقها في هذا الوقت ليقول : انتبهي جيداً على نفسك وعليها كذلك ، اياك وان تفكري بنسياني هل فهمتِ ؟

انهمرت دموعها المحرقة على وجهها وهي تقول بصوت مليء بالشهقات : لن افعل ، سوف تبقى دائماً في قلبي ، طفلتنا هذه هي كنزنا الذي يربطنا ببعضنا طوال الابدية

وقعت دمعة واحدة من عين ساتان عندما سمع هذه الجملة منها ،تركها وامسك بيدها وادارها ناحيته وطبع قبلة حارة وطويلة جداً على شفاهها المرتجفة

ابتعد عنها واخذ يسمع دموعها وهو يبتسم لها بحب ويقول : انا اعشقك يا مارينا ولستُ احبك فقط

ابتسمت هي كذلك وهي تقول : لا تسرق جملتي ايها السارق

ابتسم وهو يتشبث بيدها بقوة وهو ينظر الى ابنته الصغيرة بكل حب يمتلكه في كيانه

شعر بقلبه يهتز ويضعف عندما شاهدها نائمة بتلك الصورة الملائكية ، اراد ان يعانقها وان لا يتركها ابداً

انقبض قلبه وهو يشاهد مارينا تتجه نحو تلك البوابة التي ستمحي كل شيء في ثوان ، مد يده وهو يريد ان يوقفها ، يرد ان لا يتركها تذهب بهذا الشكل السهل

اراد ان يبقيها حتى وان هذا ان يتعذبا سوية ! الا انها اكملت طريقها ولم تلتفت اليه على الاطلاق !

حتى دخلت من تلك البوابة واختفت فيها ، اختفت البوابة كذلك لتسقط دموع ساتان بحرقة ، حتى تحول بكاؤه الى ضحك هستيري مليء بالالم والحسرة والقهر

استند على احد الجدران وهو يشد على قبضته بحسره والم ، بدأ بضرب الجدار بقوة وهو يقول : اللعنة علي ! اللعنة علي ! اللعنة على كوني ساتان ! اللعنة على ولادتي بهذا الشكل القبيح ! اللعنة على اليوم الذي قمت فيه بتشييد كل شيء !

اما من جهة اخرى فقد وصلت للتو وقد وقفت عند بوابة كونوها الرئيسية وهي تشعر بالقلق والخوف مما ينتظرها هنا ! فقد مرت قرابة السنتان هناك وهذا يعني سنة واحدة هنا ! فكيف ستفسر حملها بطفلة ذات بضعة شهور بين يديها ؟ وكيف سيقابلها الناس وهي تحمل ابنة ملك الشياطين بين ذراعيها ؟

تنهدت بقوة وقامت بعبور تلك البوابة الهائلة ، انتبه بعض النينجا عليها لتسقط الاغراض التي يحملونها !

نظر الجميع اليها بصدمة عارمة ! فقد ظنوا بأنها قد ماتت في تلك المهمة قبل سنة من الان

اكثر ما تعجبوا منه هي تلك الطفلة التي تحملها بين ذراعيها ، كانت نائمة بهدوء ولا يبدو عليها القلق مثل امها ، اقترب البعض منها وراحوا ينهالون عليها بالاسئلة من جميع الجهات

كانت متوترة ! فهي لا تعلم كيف تجيبهم على كل هذه الاسئلة المنهالة عليها كالمطر تماماً !

اعادها الى الواقع ذلك الصوت الذي افتقدته وهو يقول بانكار : مـ ... مارينا ؟!

التفتت اليه بعيون مشتاقة الى احد اعز اصدقائها وهي تقول : ميناتو !

اسرع راكضاً اليها واحتضنها وهو يقول ببكاء : يا الهي ! لقد قلقت عليك وظننت انكي قد متي !

قالت له بتوتر : آسفة على اقلاقك !

ابتعد عنها واندهش بتلك الطفلة التي بين ذراعيها فنظر اليها بصدمة وقال : لا يمكن ...

هزت رأسها بالايجاب فزاد تعجبه ، الا انه طرد افكاره وقال : هيا لمكتب الهوجاكي ! جيرايا – سينسي وتسونادي – ساما هناك !

شعرت بالخوف ينخر عظامها عندما سمعت عبارته ، الا انها قررت المضي في هذا

اخذها بسرعة الى المكتب ودخل اليه مقاطعاً حديث الهوكاجي الثالث

انزعج الهوكاجي الثالث وقال : يوندايمي ! مالامر ؟

وقف ميناتو بانتصاب وهو يقول : اعذرني ساندايمي ! ولكن هذه حالة طارئة

تعجب الجميع وقالوا : مالامر ؟

ابتسم بقليل من التوتر وقال : لقد عادت مارينا

سقط الغليون من يد الثالث وسط صدمته البالغة ، بالطبع لم يكن جيرايا ولا تسونادي بحال افضل كذلك !

وقف وهو يضرب المكتب : واين هي الان ؟

استدار ميناتو ناحية الباب فدخلت تلك المرأة المرتجفة وسط صدمة الجميع ، حيث شهقت تسونادي وهي تبكي : مارينا الحمدلل...

اخذت تنظر الى الطفلة الصغيرة بين يدي مارينا لتقول بصدمة : من هذه الطفلة مارينا ؟

انزلت مارينا رأسها وهي لا تعلم كيف تجيب ، صرخ الثالث بقوة وقال : طفلة من هذه يا مارينا ؟

قررت ان تطرد الخوف من نفسها ! فهذه ابنتها ولما عليها ان تخاف من هذا ؟

رفعت رأسها وابتسمت لتقول بثقة : انها ابنتي ! من لحمي ودمي

اعتلت الصدمة وجوه الجميع فقال الثالث : ادخلي واجلسي اولاً ومن ثم اشرحي كل شيء لنا

جلست على الكرسي المقابل لمكتب الثالث واخذت تسرد احداث القصة من ذهابها الى حين عودتها الان

وكان الجميع مصدومين من هذا ! لم يتوقعوا حدوث امر مماثل حتى في الاساطير

ضربت تسونادي المكتب وهي تقول : هل جننتِ ؟ تنجبين طفلاً من شيطان ؟ وليس أي شيطان بل ساتان بنفسه ؟!

شعرت مارينا بالانزعاج وقالت بغضب : وما بها ؟ انا سعيدة بهذه الطفلة كثيراً ولن يوجد شخص افضل منه كي يكون والدها

اهتزت عينا تسونادي بغير تصديق وقالت : انتِ تمزحين اليس كذلك ؟ انت تحملين وحشاً حقيراً بين يديكِ !

اتسعت عينا مارينا بغضب عارم وصرخت بحدة : لا تنادي ابنتي بالوحش ! لن اغفر لكِ هذا !

كان كل من جيرايا والثالث والرابع يستمعون الى الحديث الجار

تدخل جيرايا وهو يقول بابتسامة : لقد حدث ما حدث و انتهى الامر ، المهم انها فتاة لطيفة ومارينا سعيدة ! على اية حال مبروك يا مارينا انها جميلة مثلك

شعرت مارينا بنوع من الراحة وهي تقول : شكراً لك جيرايا – ساما !

تقدم ميناتو وهو يضع يده على كتفها ويقول : كيف شعور ان تكوني اماً ؟

احمرت وجنتاها بسعادة وهي تقول : اروع شيء يمكن ان يحصل في حياة أي شخص

ابتسم الجميع عدا تسونادي التي قلقت على مصير آيـآمي ومارينا ، ابتسم الثالث وقال : حسناً سوف نقول بأن ما حدث كالتالي ، ذهبتي في المهمة ومن ثم فقدتي ذاكرتك على اثر الجروح البليغة التي حصلتي عليها ، عشتِ في احدى القرى وتزوجتِ برجل طيب وانجبتي ابنتك ، الا انه قد مات ومن اثر الصدمة استعدتي ذاكرتك وعدتي الى هنا

تفاجئ الجميع بقدرة الهوكاجي الثالث على ايجاد قصة مقنعة لما حدث ، الا مارينا التي انزعجت من هذا قليلاُ في قرارة نفسها

تنهدت تسونادي وهي تقول : يبدو وكأني بالغت في ردة فعلي ! مبروك مارينا واعذريني على ما قلته لك

ابتسمت مارينا وقالت : لاعليكِ

ثم تم نشر تلك القصة وفهم الناس جميعاً ما حدث رغم ان احداً من يعرف بأمر تلك الاذن التي استرقت كل الحديث الذي جرى بينهم وهي تضمر الشر في نفسها

عادت مارينا الى منزلها غير راضية لهذا ولكن سعادتها بابنتها جعلتها تنسى الوحدة التي هي فيها الان

ولكن حبل السعادة قصير وحبل الالم طويل للغاية

فالايام السعيدة قد لا تدوم للابد وقد تختفي في لمح البصر

الا ان ادراك البشر لهذا امر .... محدود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق