دُجنة غطت حفيف الأفاعي بطرق
على صدور ما سَكُن صوته تحت الثرى برفقة الدهمة ،
لم يكن من إشارةٍ للحياة سوى
قرع طبول الأمواج على صخور المحيط ،
شاحنة بضوئها الخافت كل ما
كسر دجى المكان بظلمة أبدية ،
توقفت عند أعتاب المحيط
فترجّل منها رجلٌ كان ما وضح منه إنعكاس الضوء على عرقه ،
عرقه الذي احتّل قسمات وجهه
ترافقه نظراتٌ حادة ، متوترة وخائفة ،
تجوبُ المكان وكأنما حاصدُ
الأرواح بخفاءٍ كينونة هذا الرجل الغامض ،
فتح باب المقعد الخلفي لينتشل
حقيبة سوداء لم تتضح ملامحها بفضل الحلكة ،
بارتجاف يديه الخائفتين حملها
معه بتثاقل علةُ لوزنها الكبير ،
لم يقدر على حملها من الضعف
الذي راود قدميه فجرها على الأرض صوب المحيط ،
القاها بقوة فتدحرجت على
الأحجار فطبعت عليها آثارٌ حمراء شابهت العقيق ،
غرقت بعدها الحقيبة في غياهب
المحيط دون أن يعرف بشرٌ بما قد حدث ،
انسل الرجل هارباً من المكان
بعدها وعمّ الصمتُ مجدداً !
*،
الإختناق الأول : [ الرابع من نوفمبر 2010 ]
بعد ستة أشهر ,،
*،
وقفَ متحيراً ، يشعر بالضياع
والرغبة في إحداثِ تغيير ما ،
أمام المحيط هو ، يستمع لآهات
قلبه ، اغمضَ عينيه واستنشق ملوحة عبق رياحه ،
ردد بصوتٍ متلبد المشاعر :
-
أرغبُ بتغييرٍ يرسيّ حياتي
على ميناء السعادة !
أستكان ما حوله فجأة وكأنما كلُ حيٍ سمع مطلبه وقرر
تغيير إرادة العالم لأجله !
ظلٌ أسود سرق بصره إقترب من سطح المياه الراكدة على
غير عادة ،
انبثق الظل حياً من المياه و بانت خصلات شعرٍ سوداءُ
فاحمة و تلاها عيونٌ بيضاء حادة ،
أراد الهروب حينما أدركها جثة من غابر الزمان المجهول
..
ولكنه شلّ فلم يتمكن من الحراك ، أوجس خيفة حينما سمع
صرير أسنانها ،
من حلقها المغمور بالمياه صرخةٌ مختنقة نفذت عبر
الهواء المحيط بها ،
احتاج للصراخ ولكن صرخته أبت أن تخرج من بين إختلاج
الخوف في صدره ،
اصفّر وجهه حالما شاهدها تتسلق الصخور بسرعةٍ مهيبة
تترنح يمنة ويسرة ..
لحين وصلت إليه ! ، فأمسكته من رقبته وسدت متنفسه ،
إزرقَّ وجهه من الخوف ،
سحبته بقوة لم يعهدها في بشر وألقت به مختنقاً متشبعاً
بدمائه التي سفكتها الصخور الحادة ،
حيث غمرت المياه رئتيه ، غشاوة حجبت عينيه ، اختنق في
الأعماق وحيداً .. وحدثَ له التغيير !
*،
الإختناق الثاني : [ الثامن عشر من نوفمبر 2010 ]
بعد أسبوعين ,،
*،
جلسَ متربعاً وهو يحيطها بيده
ريثما ترخي رأسها على كتفه ،
كانت ليلةً غائمة والقمر قد
تسربل الشحوب لباساً مريباً ! ..
يلقي هو على مسامعها شعراً
قديماً ، غنج سمعها به وطربت لتوافق ألحانه ،
استنوقفته على حين غرة قائلة
:
-
سيكون التغيير جميلاً ،
كالذهاب لروما عوضاً عن البقاء طوال الشهر في ملبورن !
إبتسم وأرخى عضلات جسده مفكراً بالرحلة التي هما في
غمار خوضها ،
خرجا من نيويورك حيث هبطت طائرتهما في دلهي وبقيا
فيها لإسبوعين ، غادرا دلهي فذهبا لـ برلين وهما الآن في ملبورن الواقعة في
إستراليا ،
راقته فكرة روما ، اعقب بهدوء وحب :
-
كنزنا يقبع في بحر التغيير ،
لنذهب لما وراء الأفق كيّ نناله
شدت بنفسها بين أحضانه تمسح بخفة على بطنها خجلة ،
مولودهما الأول سينير الحياة خلال أربعة أشهر ..
غدا الجو بارداً وأرتجفت الفتاة بعض الشيء ، انتبه هو
عليها فحثّها على العودة للفندق ،
وافقته فوقف مسرعاً يتجه للسيارة كيّ يدير محركها ،
أما هي فوقفت على حواف الصخور تحملق في الموج الهادئ لآخرِ مرة ،
أدار المحرك ، خرج من السيارة كيّ يجلبها وإذا بها
إختفت ! ، فزع ! وشعر بإنتفاضٍ مريب في
مشاعره ..
اقترب من الصخور وانحنى يرمق السفلى منها ببحثٍ مكروب
، اتسعت عيناه وأرتجف جسده متراجعاً لهول المنظر ،
ارتجفت شفاهه وبات يصرخ كالمجانين يبعثر شعره بيديه ،
هي كانت في الأسفل ..
محطمة الأطراف ، غارقة في دمائها وبطنها قد شُقَ
والقي الطفل بجانب جثتها مشوها ! ، ..
كيف ؟! كيف حدثَ هذا في أقل من دقيقتين ؟! مستحيل !!
يدانٍ باردتان امسكتا به من الخلف واحتضنتاه ، سمع
صوت غرغرة المياه في حلقها ،
لم يرد الإلتفاتَ والموت يراه امامه بكلِ وضوح ، اليد
امتدت لرأسه وقد شحب وجهه كالأموات ،
وإذا بها تهوي بقوة غير بشرية برأسه على الصخور
فينكسر الجانب منه ،
بهدوء .. جرت الجثث الثلاثة للمحيط و تركتها لوحوش
المياه الغامضة .. !
*،
الإختناق الثالث : [ السابع من ديسمبر 2010 ]
بعد تسع عشرَ يوماً ,،
*،
تدندن هي بأغنية قديمة من عهدٍ مجهولٍ في التاريخ ،
تمسك بيدها ساعةً ذهبية فتحتها لتصدع الموسيقى الهادئة منها ،
ضاقت عيناها بخبثٍ شديد ، تمسك بالأخرى صحيفةً تتحدث
عن الإختفاءات وآثار الدم الغريبة هنا ،
هي .. بدورها الذي لا يدركه الجميع عرفت العلة ، بل
فهمتها من بعض الأقوال المنتشرة والإشاعات التي تضج بها الحانات ،
لم تكن واثقة .. ولكن إختناقها هنا مثلهم قد لا يكون
محتوماً بالضرورة وهي تعرف سبل الإيقاف و التناحر في آن ،
كـ ضحايا هذا المحيط في ديجور الظلمة اخرجت من فاهها
كلمة السحر الفتاكة
-
كم ارغبُ بالتغيير ..
هذه النبرة المتكبرة الساخرة كانت لتجعل أي وحشٍ يخرج
من قبره ليقتلها على تعاليها ،
إلا أن عينيها لمعتا بخوفٍ وحماسٍ في آن ، تنظر للجثة
الطافية على المياه المتلاحمة ،
كسر الحزن قلبها بتعرفها إليها ، و إنتفاضة بسيطة حلت
تراها ترتقي الصخور كالعناكب ولكن بالمقلوب ! ..
وإذا بالجثة خلال ثوان تقف أمامها .. بنفس الغرغرة في
حلقها و النية المرعبة في سفك دمائها ،
قبيلما تتحرك اخرجت الفتاة الواقفة الساعة الذهبية
لتسمع الجثة الموسيقى ..
تجحرت تلك الجثة في مكانها وإذا بالإخرى تردد واهمة
-
اختي التوأم العزيزة ، وجدتكِ
بعد فترةٍ طويلة من البحثِ المضني ! دعيني أُنهي لعنتك الآن !
تحركت القائلة برشاقة تحيط الجثة بيديها ، و الساعة
تصدح بالموسيقى التي جعلت الجثة تصرخ خائفة ،
القت الفتاة بنفسها بقوة على الصخور فتدحرجت عليها
لتتناثر دمائها في كل مكان مع اختها الميتة ،
طار المسدس من بين طيات ملابسها ، والذي استخدمته
لقتل اخيها قبل قدومها لهذا المكان ،
سقطتا في البحر سوية ، والفتاة لا تزال ممسكة بجثة
اختها التي خمدت وعادت للموت ،
اغلقت عينيها بإستسلام والأمواج العاصفة تتراطم بقوة
ضغطٍ هائلة على جسديهما ..
-
وعمّ السلام ..
رددتها في نفسها قبل أن تغشى عينيها وتختنق بدمائها
التي ملأت رئتيها ..
من تلك اللحظة .. لم تخرج الجثة من المياه مجدداً !
*،
بداية الإضمحلال : [ الحادي عشر من مايو 2010 ]
قبل سبعة أشهر ,،
*،
- أريد تغيير حياتنا للأفضل .. الإستقلالية !
قالها الأخ الأكبر مبتسماً بهدوءٍ اخاف اخته الجالسة
على الأريكة ، كان واقفاً ينظف الصحون يحادثها كأي أخٍ أكبر آخر ! ،
-
تغيير .. أي نوعٍ من التغيير
؟
اردفت بها معقبة تريد الأستفسار ، كان قد التفت إليها
جانبياً ينظرُ لبطنها الذي بدا عليه الإنتفاخ من أثرِ الحمل ،
-
هذا الطفل .. هل تحبينه ؟!
تفاجئت من سؤاله ، شعرت بالخجل ، اشاحت فتاة الخمس
عشر عاماً بوجهها تحتضن نفسها مبتسمة تجيب
-
صحيح إنه نتيجة اعتداءٍ حصل
لي من مجهول ولكنيّ أحبه ! لا ذنب له فيما حصل !
كشّر الأخُ الأكبر عن أنيابه في تلك اللحظة ، امسك
سكيناً ضخمة من الدرج الخشبي متجهاً إليها بسرعة صارخاً
-
هذا الطفل .. لا يجب أن يولد
!!
ذعرت منه وتحركت بصعوبة محاولة الفرار ، وإذا به يكمل
حديثه
-
هذا عار .. عار و خطيئة وذنبٌ
لا يغتفر ! أن تحمل الأخت من أخيها المجرم المعتدي هذا لا يجوز !
شهقت وكأنما رجفة الموت أصابتها ، كان هو !! هو من
أنهى برائتها في تلك اللحظة .. !!!
ليست تصدق ! ، ولكن إمساكه بها وطعنها مراراً في
صدرها قد جعلها من المصدقين .. !
شعرت به يفتح بطنها بالسكين .. اخرج الطفل ذي السبعة
اشهر .. لم تشاهد ما فعله به ولكنها أدركت أنه قتله ! ،
بالوعيّ القليل المتبقي لديها سمعته يردد بابتسامة
دخلها إبليس راقصاُ
-
التغيير .. تغيير حياتي
للأفضل ما اريده .. لسوف امحونك قبيل عودة الأخرى !
جلب حقيبة سوداء كبيرة مخصصة لمضارب الجولف ، وضع
الجثة شبه الحية فيه وخرج مسرعاً لسيارته ،
وضعها فيه و ساقها بأسرع ما يمكنه لأبعد نقطة عن
منزلهم .. لحيث المحيط الذي يبعد ساعتين عن المنزل !
توقف عند أعتاب المحيط فترجّل
منها و كان ما وضح منه إنعكاس الضوء على عرقه ،
عرقه الذي احتّل قسمات وجهه
ترافقه نظراتٌ حادة ، متوترة وخائفة ،
تجوبُ المكان وكأنما حاصدُ
الأرواح بخفاءٍ كينونة هذا الرجل الغامض ،
فتح باب المقعد الخلفي لينتشل
حقيبة سوداء لم تتضح ملامحها بفضل الحلكة ،
بارتجاف يديه الخائفتين حملها
معه بتثاقل علةُ لوزنها الكبير ،
لم يقدر على حملها من الضعف
الذي راود قدميه فجرها على الأرض صوب المحيط ،
القاها بقوة فتدحرجت على
الأحجار فطبعت عليها آثارٌ حمراء شابهت العقيق ،
تأوهت بخفيض الصوت تلك الفتاة
المشبعة بدمائها داخل الحقيبة ،
غرقت بعدها الحقيبة في غياهب
المحيط دون أن يعرف بشرٌ بما قد حدث ،
وريثما هي تغرق امتلأ جوفها
بالمياه ولا تزال هي تأن حتى ظهر صوت الغرغرة ..
توعدته .. وبني البشر بالفناء
في لحظات إحتضارها ..
ريثما انسل الرجل هارباً من
المكان بعدها وعمّ الصمتُ مجدداً !
ولم يعرف احدٌ بحقيقة ما حصل
في تلك الليلة !

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق